الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثالث : الضامن . وشرطه : صحة العبارة ، وأهلية التبرع . أما صحة العبارة ، فيخرج عنه الصغير ، والمجنون ، والمبرسم الذي يهذي ، فلا يصح ضمانهم . ولو ضمن إنسان ثم قال : كنت صبيا يوم الضمان ، وكان محتملا ، قبل قوله مع يمينه . وكذا لو قال : كنت مجنونا وقد عرف له جنون سابق ، أو أقام به بينة ، وإلا فالقول قول المضمون له مع يمينه . وفي ضمان السكران ، الخلاف المذكور في تصرفاته .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا في السكران بمعصية . فأما السكران بمباح ، فكالمجنون . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وأما الأخرس ، فإن لم يكن له إشارة مفهومة ، ولا كتابة ، لم نعرف أنه ضمن حتى نصحح أو نبطل ، وإن كانت له إشارة مفهومة ، صح ضمانه بها كبيعه وسائر تصرفاته . وفي وجه : لا يصح ضمانه ، إذ لا ضرورة إليه ، بخلاف سائر التصرفات . ولو ضمن بالكتابة ، فوجهان ، سواء أحسن الإشارة ، أم لا . أصحهما : الصحة ، وذلك عند القرينة المشعرة ، ويجري الوجهان في الناطق وفي سائر التصرفات . وأما أهلية التبرع ، فلا يصح ضمان المحجور عليه لسفه وإن أذن الولي ؛ لأنه تبرع ، وتبرعه لا يصح بإذن الولي . كذا قال الإمام ، والغزالي : إن الضمان تبرع ، وإنما يظهر هذا حيث لا رجوع . وأما حيث ثبت الرجوع ، فهو قرض محض . ويدل عليه نص الشافعي - رضي [ ص: 242 ] الله عنه - : أنه لو ضمن في مرض موته بغير إذن المضمون عنه ، حسب من ثلثه . وإن ضمن بإذنه ، فمن رأس المال ؛ لأن للورثة الرجوع على الأصيل ، وهو وإن لم يكن تبرعا فلا يصح من السفيه كالبيع وسائر التصرفات المالية . فإن أذن فيه الولي ، فليكن كما لو كان في البيع .

                                                                                                                                                                        قلت : الذي قاله الإمام ، هو الصواب . وقد صرح الأصحاب بأنه لا يصح ضمانه من غير فرق بين الإذن وعدمه . وقول الرافعي : إنه ليس تبرعا ، فاسد ، فإنه لو سلم أنه كالقرض ، كان القرض تبرعا . وقوله : إذا أذن الولي ، كان كالبيع ، يعني فيجري فيه الوجهان ، فاسد أيضا ، فإن البيع ، إنما صح على وجه ؛ لأنه لا يأذن إلا فيما فيه ربح أو مصلحة ، والضمان غرر كله بلا مصلحة . وأما ضمان المريض ، فقال صاحب " الحاوي " : هو معتبر من الثلث ؛ لأنه تبرع . فإن كان عليه دين مستغرق ، فالضمان باطل . وإن خرج بعضه من الثلث ، صح فيه . فلو ضمن في مرضه ، ثم أقر بدين مستغرق ، قدم الدين ولا يؤثر تأخر الإقرار به . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وأما المحجور عليه لفلس ، فضمانه كشرائه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ضمان المرأة صحيح ، مزوجة كانت أو غيرها ، ولا حاجة إلى إذن الزوج كسائر تصرفاتها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في ضمان العبد بغير إذن سيده مأذونا كان أو غيره ، وجهان . أحدهما : صحيح [ ص: 243 ] يتبع به إذا عتق ، إذ لا ضرر على سيده ، كما لو أقر بإتلاف مال وكذبه السيد . وأصحهما : لا يصح . وإن ضمن بإذن سيده صح . ثم إن قال : اقضه مما تكسبه ، أو قال للمأذون : اقضه مما في يدك ، قضى منه . وإن عين مالا وأمر بالقضاء منه ، فكمثل . وإن اقتصر على الإذن في الضمان ، فإن لم يكن مأذونا ، ففيه أوجه ، أصحها : يتعلق بما يكسبه بعد الإذن كالمهر . والثاني : يكون في ذمته إلى أن يعتق لأنه أذن في الالتزام دون الأداء . والثالث يتعلق برقبته . وإن كان مأذونا له في التجارة ، فهل يتعلق بذمته أم بما يكسبه بعد ؟ أم به وبما في يده من الربح الحاصل ؟ أم بهما وبرأس المال ؟ فيه أوجه ، أصحها : آخرها .

                                                                                                                                                                        وحيث قلنا : يؤدي مما في يده ، فلو كان عليه ديون ، ففيه أوجه عن ابن سريج ، أحدها : يشارك المضمون له الغرماء ، كسائر الديون . والثاني : لا يتعلق الضمان بما في يده أصلا ؛ لأنه كالمرهون بحقوق الغرماء . والثالث : يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية للجانبين .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحها : الثالث - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وهذا إذا لم يحجر القاضي عليه . فإن حجر باستدعاء الغرماء ، لم يتعلق الضمان بما في يده قطعا . وأم الولد والمدبر كالقن في الضمان ، وكذا من بعضه حر إن لم يكن بينه وبين سيده مهايأة ، أو كانت وضمن في نوبة السيد . فإن ضمن في نوبته ، صح قطعا . ويجوز إن ضمن في نوبته ، أن يخرج على الخلاف في المؤن والأكساب النادرة ، هل تدخل في المهايأة ؟ والمكاتب بلا إذن ، كالقن ، وبالإذن ، قالوا : هو على القولين في تبرعاته .

                                                                                                                                                                        [ ص: 244 ] فرع

                                                                                                                                                                        ضمن عبد بإذن سيده ، وأدى في حال رقه ، فحق الرجوع لسيده . وإن أدى بعد عتقه ، فالرجوع للعبد على الأصح . ولو ضمن العبد لسيده عن أجنبي ، لم يصح لأنه يؤدي من كسبه وهو لسيده ، ولو ضمن لأجنبي عن سيده ، فإن لم يأذن السيد ، فهو كما لو ضمن عن أجنبي . وإن أذن ، صح . ثم إن أدى قبل عتقه ، فلا رجوع ، وبعده وجهان بناء على ما لو أجره ثم أعتقه في المدة ، هل يرجع بأجرة المثل لما بقي ؟

                                                                                                                                                                        قلت : لو ثبت على عبد دين بالمعاملة فضمنه سيده ، صح كالأجنبي . ولو ضمن السيد لعبده دينا على أجنبي ، فإن لم يكن على العبد دين من التجارة ، فالضمان باطل . وإلا فوجهان ، قاله في " الحاوي " - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية