الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

                                                                                        ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 42 ] 18 - باب مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه

                                                                                        4372 - قال إسحاق : أخبرنا المعتمر بن سليمان ، أنا أبي ، أنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه قال : سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه أن وفد أهل مصر قد أقبلوا ، فاستقبلهم ، وكان رضي الله عنه في قرية خارجا من المدينة - أو كما قال - : فلما سمعوا به ، أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه ، قالوا : كره أن يقدموا عليه المدينة أو نحو ذلك ، فأتوه فقالوا له : ادع بالمصحف ، قال : فدعا بالمصحف ، فقالوا له : افتح السابعة ، وكانوا يسمون سورة يونس السابعة ، فقرأ حتى أتى هذه الآية : قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ، فقالوا له : قف ، أرأيت ما حمي من حمى الله [ ص: 43 ] تعالى ، آلله أذن لك أم على الله تفتري ؟ فقال : أمضه ، نزلت في كذا وكذا ، وأما الحمى ، فإن عمر رضي الله عنه حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة ، فلما وليت حميت لإبل الصدقة ، أمضه ، فجعلوا يأخذونه بالآية ، فيقول : أمضه نزلت في كذا وكذا ، قال : وكان الذي يلي عثمان رضي الله عنه في سنك ، قال : يقول أبو نضرة ذلك لي أبو سعيد وأنا في سنك ، قال أبي : ولم يخرج وجهي يومئذ ، لا أدري لعله قال مرة أخرى : وأنا يومئذ ابن ثلاثين سنة .

                                                                                        قال : ثم أخذوه بأشياء لم يكن عنده منها مخرج ، فعرفها ، فقال : أستغفر الله وأتوب إليه ، ثم قال لهم : ما تريدون ؟ قالوا : فأخذوا ميثاقه وكتب عليهم شرطا ، ثم أخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ، ولا يفارقوا جماعة ، ما قام لهم بشرطهم ، أو كما أخذوا عليه - فقال لهم : ما تريدون ؟ قالوا : نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاء ، فإنما هذا المال لمن قاتل عليه ، ولهذه الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فرضوا ، وأقبلوا معه إلى المدينة راضين .

                                                                                        [ ص: 44 ] قال فقام رضي الله عنه فخطبهم ، فقال : إني والله ما رأيت وفدا في الأرض هو خير من هذا الوفد الذي من أهل مصر ، ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ، ومن كان له ضرع فيحتلب ، ألا إنه لا مال لكم عندنا ، قال : فغضب الناس وقالوا : هذا مكر بني أمية .

                                                                                        ثم رجع الوفد المصريون راضين ، فبينما هم في الطريق إذا هم براكب يتعرض لهم ويفارقهم ، ثم يرجع إليهم ، ثم يفارقهم ويسبهم ، قالوا له : ما لك ؟ إن لك لأمرا ، ما شأنك ؟ فقال : أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ، ففتشوه فإذا هم بالكتاب معه على لسان عثمان رضي الله عنه ، عليه خاتمه إلى عامله بمصر أن يقتلهم أو يصلبهم ، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فأقبلوا حتى قدموا المدينة ، فأتوا عليا رضي الله عنه ، فقالوا : ألم تر إلى عدو الله يكتب فينا كذا وكذا ، وإن الله قد أحل دمه ، قم معنا إليه ، [ ص: 45 ] قال : والله لا أقوم معكم إليه ، قالوا : فلم كتبت إلينا ؟ قال : والله ما كتبت إليكم كتابا قط ، قال : فنظر بعضهم إلى بعض . فقالوا : لهذا تقاتلون أم لهذا تغضبون ؟ فانطلق علي رضي الله عنه يخرج من المدينة إلى قرية .

                                                                                        فانطلقوا حتى دخلوا على عثمان رضي الله عنه ، فقالوا له : كتبت فينا كذا وكذا ، وإن الله قد أحل دمك ، فقال رضي الله عنه : إنهما اثنتان : أن تقيموا علي رجلين من المسلمين ، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ، ولا أمليت ولا علمت ، وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على كتاب الرجل ، وقد ينقش الخاتم على الخاتم ، قالوا : فوالله لقد أحل الله دمك بنقض العهد والميثاق .

                                                                                        قال : فحاصروه رضي الله عنه ، فأشرف عليهم ، وهو محصور ذات يوم ، فقال : السلام عليكم . قال أبو سعيد رضي الله عنه : فوالله ما أسمع أحدا من الناس رد عليه السلام ، إلا أن يرد الرجل [ ص: 46 ] في نفسه ، فقال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو هل علمتم ؟ قال : فذكر شيئا في شأنه ، وذكر أيضا أرى كتابته المفصل ففشا النهي ، فجعل يقول الناس : مهلا عن أمير المؤمنين ، ففشا النهي فقام الأشتر ، فقال : فلا أدري ، أيومئذ أم يوم آخر ، قال : فلعله قد مكر به وبكم ، قال : فوطئه الناس حتى لقي كذا وكذا ، ثم إنه رضي الله عنه أشرف عليهم مرة أخرى ، فوعظهم وذكرهم ، فلم تأخذ فيهم الموعظة ، وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أول ما يسمعون بها ، فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم ، قال : ثم إنه رضي الله عنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه ، وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يا عثمان ، أفطر عندنا الليلة .

                                                                                        قال أبي : فحدثني الحسن أن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه دخل عليه ، فأخذ بلحيته ، فقال رضي الله عنه : لقد أخذت مني مأخذا ، أو قعدت مني مقعدا - ما كان أبوك ليقعده - أو قال : ليأخذه - فخرج وتركه ، ودخل عليه رضي الله عنه رجل يقال له : الموت الأسود ، فخنقه ، ثم خنقه ، ثم خرج ، فقال : والله لقد خنقته ، فما رأيت شيئا قط ألين من حلقه ، حتى رأيت نفسه يتردد في جسده كنفس الجان ، قال : فخرج وتركه .

                                                                                        [ ص: 47 ] قال : وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه : ودخل عليه رجل ، فقال : بيني وبينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثم دخل عليه آخر ، فقال : بيني وبينك كتاب الله تعالى ، والمصحف بين يديه ، فأهوى بالسيف ، فاتقاه عثمان رضي الله عنه بيده فقطعها ، فما أدري أبانها ، أم قطعها ، ولم يبنها ، قال عثمان رضي الله عنه : أما والله إنها لأول كف خطت المفصل .

                                                                                        قال : وقال في غير حديث أبي سعيد رضي الله عنه : فدخل عليه التجيبي ، فأشعره مشقصا ، فانتضح الدم على هذه الآية : فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم قال : فإنها في المصحف ما حكت بعد ، قال : وأخذت بنت الفرافصة رضي الله عنها حليها في حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، فوضعته في حجرها ، وذلك قبل أن يقتل رضي الله عنه ، فلما أشعر - أو قتل - تفاجت عليه ، فقال بعضهم : قاتلها الله ما أعظم عجيزتها ! فقال أبو سعيد رضي الله عنه : فعلمت أن أعداء الله لم يريدوا إلا الدنيا .

                                                                                        قلت : رجاله ثقات ، سمع بعضهم من بعض .

                                                                                        [ ص: 48 ] [ ص: 49 ] [ ص: 50 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية