الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن حنث وهو معسر ، وأخر الصوم حتى أيسر لم يجزه ، هكذا نقل عن ابن عباس وإبراهيم النخعي رضي الله عنهما ، إذا صام المكفر يومين ثم وجد في اليوم [ ص: 145 ] الثالث ما يطعم أو يكسوه لم يجزه الصوم ، وعليه الكفارة بالإطعام أو الكسوة ; لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل ، فيسقط به حكم البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت ، والمتيمم إذا أبصر الماء قبل أداء الصلاة ; وهذا لأن الله تعالى شرط عدم الوجود بقوله { : فمن لم يجد } ، وهذا الشرط ليس لتصحيح الصوم ، فإن أصل الصوم صحيح من الواجد للمال ، ولكنه شرط ليكون الصوم كفارة يسقط به الواجب عند الأداء والفراغ منه ، فإذا انعدم هذا الشرط لم يكن الصوم كفارة له وللشافعي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ثلاثة أقاويل في قول مثل قولنا ، وقول آخر أن المعتبر حالة الوجوب في اليسار والعسرة ، وما وجب عند ذلك صار دينا في ذمته ، ولا يتغير بتغير حاله بعد ذلك كالزكاة وصدقة الفطر ، واعتبره بالحدود أن المعتبر عند الوجوب بالتنصف بالرق ، وهذا ضعيف ; لأن الواجب باليمين الكفارة لا ما يكفر به ، كالواجب بالحدث الطهارة دون ما يتطهر به من الماء والتراب ، بل ذلك يختلف باختلاف حاله في القدرة والعجز عند الأداء ، ووجوب الحد باعتبار هتك حرمة المنعم بالجناية والنعمة تختلف بالرق والحرية ، وذلك عند ارتكاب الجناية لا بعده ، مع أن الحدود تندرئ بالشبهات ، فإذا وجب بصفة النقصان لا يتكامل بالحرية الطارئة من بعد ، وله قول آخر : أنه لا يجوز الصوم ما لم يكن معسرا من وقت الوجوب إلى وقت الأداء ; لأن التكفير بالصوم عن ضرورة محضة ، وذلك لا يتحقق إذا كان موسرا في إحدى الحالين ; ولأنه إذا كان موسرا عند الحنث فقد وجب عليه التكفير بالمال ، فهو بالتأخير إلى أن يعسر مفرط فلا يستحق التخفيف باعتبار تفريطه ، ولكنا نقول : كما أن هذه كفارة ضرورة فالتيمم طهارة ضرورة ، ثم كان المعتبر فيه وقت الأداء لا وقت الوجوب ; وهذا لأن الضرورة باعتبار حاجته إلى إسقاط الواجب عن ذمته وذلك للأداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية