الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجل كاتب جارية له على نفسها وعلى جارية أخرى ثم استولد السيد المكاتبة فاختارت العجز فلها ذلك ; لأنها مقصودة في الكتابة والمال كله عليها وقد تلقاها جهتا حرية فلها الخيار ، وإن استولد الأخرى فعلى طريقة القياس تصير أم ولد له ; لأنها غير داخلة في الكتابة وتسعى المكاتبة في حصتها من المال وعلى طريقة الاستحسان تكون على حالها حتى ينظر ما تصنع الأخرى ; لأن حكم الكتابة [ ص: 54 ] قد تناولها تبعا ولهذا امتنع بيعها ، وقد بينا أن قول التابع لا يعتبر ، وإن ظهر له حق عتق لجهة أخرى فإذا أدت الأخرى عتقا جميعا ، وإن عجزت فحينئذ تصير أم ولد له ، وإن كان دبر لم يرفع عن المكاتبة شيء من الكتابة ; لأن بالتدبير لا يتغير حكم الكتابة فيها بخلاف ما لو أعتقها فإنه يسقط حصتها من البدل لتغير حكم العقد فيها بالإعتاق ألا ترى أنه لو أعتق الحاضرة منهما سقط حصتها وجعل كالقابض للمال منهما فكذلك إذا أعتق الأخرى يجعل كالقابض لحصتها من البدل ; لأن الأخرى إنما التزمت المال عنهما ولو أدت الغائبة وجب القبول منها فكذلك تسقط حصتها بإعتاقه إياها ، وإن لم يدبرها ولكنها ولدت ولدا لم يكن له أن يبيع ولدها ; لأن الولد بمنزلة الأم وما كان له أن يبيعها لثبوت حكم الكتابة فيها فكذلك لا يبيع ولدها وأكره للمولى أن يطأها ; لأن حكم الكتابة قد ثبت فيها على وجه الاستحسان ألا ترى أنه امتنع بيعها فكذلك يحرم وطؤها كالولد المولود في الكتابة .

وإن قتلت فأخذ المولى قيمتها ، وفيها وفاء بالكتابة عتقت المكاتبة ; لأن قيمة نفسها ككسبها ولو ماتت عن كسب كان يوفي بدل الكتابة من كسبها ويحكم بحريتها فكذلك يجعل المولى مستوفيا لبدل الكتابة بما أخذ من قيمتها ولم يرجع المولى على المكاتبة بشيء منه ; لأنها لو كانت حية فأدت الكتابة لم يرجع على المكاتبة بشيء فكذلك من خلفها وهو الولي بسبب الولاء لا يكون له أن يرجع على المكاتبة بشيء ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .

التالي السابق


الخدمات العلمية