الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا حلف أن لا يسكن دار فلان أو دارا لفلان ، ولم يسم دارا بعينها ، ولم ينوها فسكن دارا له قد باعها بعد [ ص: 166 ] يمينه لم يحنث ; لأنه جعل شرط الحنث وجود السكنى في دار مضافة إلى فلان ، ولم يوجد بخلاف قوله : زوجة فلان أو صديق فلان ; لأن هناك إنما يقصد هجرانهما لعينهما ، فيتعين ما كان موجودا وقت يمينه بناء على مقصوده ، كما لو عينه وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى التسوية بينهما ، ووجه أنه عقد اليمين بالإضافة ، وحقيقة ذلك فيما لو كان موجودا وقت يمينه ، ولكن على هذه الرواية لا بد أن يقال : إذا جمع بين الإضافة والتعيين يبقى اليمين بعد زوال الإضافة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ، كما هو قول محمد رحمه الله تعالى ، وأما إذا سكن دارا كانت مملوكة لفلان من وقت اليمين إلى وقت السكنى ، فهو حانث بالاتفاق ، وإن سكن دارا اشتراها فلان بعد يمينه حنث في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولم يحنث في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى .

وكذلك العبد والدابة والثوب ، ولو حلف لا يأكل طعام فلان ، أو لا يشرب شراب فلان ، فتناول شيئا مما استحدثه فلان لنفسه ، فهو حانث بالاتفاق ، وقد أشار ابن سماعة إلى التسوية بين الكل عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لما بينا أنه عقد اليمين على الإضافة ، فما لم يوجد حقيقة وقت اليمين لا يتناوله اليمين ، فأما وجه قوله في الفرق على ظاهر الرواية : أن الطعام والشراب يستحدث الملك فيهما في كل وقت ، فعرفنا أن مقصود الحالف وجود الإضافة إلى فلان وقت التناول ، فأما الدار والعبد والدابة فلا يستحدث الملك فيها في كل وقت ، فعرفنا أن مقصوده ما كان موجودا في الحال دون ما يستحدث فيه ، فكان هذا بمنزلة الزوجة والصديق . وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أنه عقد يمينه على ملك مضاف إلى المالك ، فإذا وجدت الإضافة إلى وقت الفعل كان حانثا كما في الطعام والشراب ، وتحقيقه أن شرط حنثه وجود السكنى في دار مضافة إلى فلان بالملك ، وإنما حمله على اليمين أذى دخله من فلان ، وفي هذا لا فرق بين الموجود في ملكه وقت اليمين ، وما استحدث الملك فيه ، بخلاف الزوجة والصديق ، وقد روى محمد عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى في قوله : دارا لفلان أنه لا يحنث إذا سكن دارا اشتراها فلان بعد يمينه ، بخلاف قوله : دار فلان ; لأن اللام دليل على الملك ، فصار تقدير كلامه كأنه قال : لا أسكن دارا هي مملوكة لفلان ، فيتعين الموجود في ملكه دون ما يستحدثه ، ولا يوجد ذلك في قوله : دار فلان .

وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله على عكس هذا قال : إذا قال : دار فلان لا يتناول ما يستحدث الملك فيه ، بخلاف قوله : دارا لفلان ; لأن في قوله : دار فلان تمام الكلام بذكر الإضافة ، ألا ترى أنه لو لم يذكر فلانا كان كلاما [ ص: 167 ] مختلا ، فلا بد من قيام الملك لفلان وقت اليمين ليتناوله اليمين ، وفي قوله : دارا لفلان . الكلام تام بدون ذكر فلان ، فإنه لو قال : لا أسكن دارا كان مستقيما ، فذكر فلان لتقييد اليمين بما يكون مضافا إلى فلان وقت السكنى ، وإن حلف لا يسكن دارا لفلان ، فسكن دارا بينه وبين آخر لم يحنث ، قل نصيب الآخر أو كثر ; لأنه جعل شرط الحنث وجود السكنى في دار يملكها فلان ، والمملوك لفلان بعض هذه الدار ، وبعض الدار لا يسمى دارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية