الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وللمكاتب أن يأذن لعبده في التجارة ; لأنه من صنيع التجار ويقصد به اكتساب المال ، والمكاتب منفك الحجر عنه في مثله ولأن الفك الثابت بالكتابة فوق الثابت بالإذن وإذا جاز للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة فلأن يجوز للمكاتب أولى فإن لحقه دين بيع إلا أن يؤدي عنه المكاتب ويجوز أن يؤدي عنه [ ص: 71 ] الدين ، وإن كان أكثر من قيمته ; لأن هذا تصرف تناوله الفك الثابت بالكتابة ، والمكاتب في مثله كالحر ألا ترى أن فيما يبيع ويشتري بنفسه جعل كالحر لهذا فإن عجز المكاتب ، وقد لحق كل واحد منهما دين بيع كل واحد منهما في دين نفسه لا أن يفديهما المولى ; لأن بعجز المكاتب صار كل واحد منهما مملوكا للمولى فيكون الرأي إليه في أن يؤدي عنهما الدين أو يباع كل واحد منهما في دينه فإن فضل من ثمن المكاتب شيء لم يصرف في دين عبده ; لأن حق غرماء العبد إنما تعلق بمالية العبد وكسبه ، والمكاتب ليس من ذلك في شيء بل المكاتب في حق العبد بمنزلة الحر فكما لا يقضي دين العبد من مال مولاه الحر فكذلك لا يقضي من ثمن المكاتب .

وإن فضل من ثمن العبد شيء صرف في دين المكاتب ; لأن العبد كسبه وحق غرمائه ثبت في كسبه إلا أن دين العبد كان مقدما في مالية رقبته فما يفضل من دينه صرف في دين المكاتبة ، فإن قضى المولى بعض غرماء العبد دينه ، ثم جاء الآخرون لم يكن لهم على من اقتضى دينه سبيل إذا لم يكن الدين مشتركا بينهم ; لأن المولى إنما قضى من خالص ملكه ولا حق للغرماء في خالص ملكه فهو بمنزلة متبرع آخر يتبرع بقضاء بعض دينه فلا يكون للباقين على المقتضي سبيل ولكنهم يأخذون العبد بدينهم لتعلق حقهم بمالية رقبته ولا يخاصمهم المولى بما قضى من دينه في رقبته ; لأنه لا يستوجب دينا في ذمة عبده ولا في مالية رقبته فكان هو في الأداء بمنزلة متبرع آخر وعجز المكاتب حجر على عبده ; لأن ثبوت الإذن باعتبار الفك الثابت للمكاتب ، وقد زال ذلك بعجزه فيكون عجزه كموت الحر وبموت الحر يصير العبد محجورا عليه فكذلك بعجز المكاتب وكذلك بموته ; لأنه إن مات عاجزا فقد انفسخت الكتابة ، وإن مات عن وفاء فهو كموت الحر فيكون حجرا على العبد في الوجهين جميعا فإن كان له ولد فأذن له في التجارة وعليه دين لم يصح إذنه ; لأن غرماء العبد أحق بمالية رقبته ، والولد المولود في الكتابة إنما يخلف أباه فيما هو حقه ، فأما فيما هو حق غرمائه فلا فلهذا لا يصح إذنه له في التجارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية