الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذمي في يديه عبد أعتقه فأقام مسلم شاهدين مسلمين أنه عبده ، وأقام الذمي شاهدين مسلمين أنه أعتقه ، وهو يملك أمضيت العتق والولاء للذمي ; لأن في بينته إثبات العتق ، وفي بينة المسلم إثبات الملك . وكل واحد منهما حجة على الخصم فيترجح بينة العتق كما لو كان كل واحد من المدعيين مسلما ، وإذا كان شهود الذمي كفارا قضيت به للمسلم ; لأن بينته في إثبات الملك حجة على خصمه ، وبينة الذمي في إثبات العتق ليس بحجة على خصمه ، فكأنها لم تقم في حقه ، وإن كان المسلم أقام شاهدين مسلمين أنه عبده دبره ، أو كانت جارية وأقام البينة أنه استولدها ، وأقام الذمي شاهدين مسلمين على الملك والعتق ، فبينة الذمي أولى ; لأن المسلم يثبت ببينته حق العتق ، والذمي حقيقة العتق ، وحق العتق لا يعارض حقيقة العتق ، ولو قبلنا بينة المسلم وطأها بالملك بعدما قامت البينة على حريتها ، وذلك قبيح . ولهذا كانت بينة الذمي أولى ، ولو كانت أمة في يدي ذمي ، وقد ولدت له ولدا ، فادعى رجل أنها أمته غصبها هذا منه ، وأقام البينة على ذلك ، وأقام ذو اليد البينة أنها أمته ولدت هذا منه في ملكه قضيت بها وبولدها للمدعي ; لأن بينته طاعنة في بينة ذي اليد دافعة لها ، فإنهم إنما شهدوا بالملك لذي اليد باعتبار يده إذ لا طريق لمعرفة الملك حقيقة سوى اليد ، وقد أثبتت بينة المدعي أن يده كانت يد غصب من جهته لا يد ملك ، فلهذا كانت بينة المدعي أولى ، وإذا قضى بالملك للمدعي قضى له بالولد أيضا ; لأنه جزء منها وولادتها في يدي الآخر بعد ما ثبت أنه ليس بمالك لها ، لا يوجب أمية الولد لها ، وكذلك لو ادعى المدعي أنها أمته أجرها من ذي اليد أو أعارها منه ، أو وهبها منه وسلمها إليه ; لأن بهذه الأسباب يثبت أن وصولها إلى يده كان من جهته ، وأن يده فيها ليست يد ملك فهذا وفصل الغصب سواء .

ولو كان المدعي أقام البينة أنها أمته ولدت في ملكه قضيت بها لذي اليد ; لأنه ليس في بينة المدعي هنا ما يدفع بينة ذي اليد ; لأن ولادتها في ملكه لا ينفي ملك ذي اليد بعد ذلك ، فيبقى الترجيح لذي اليد من حيث إنه يثبت الحرية للولد وحق أمية [ ص: 107 ] الولد لها ، وكذلك لو ادعى ذو اليد أنها أمته أعتقها ، وأقام المدعي البينة أنها أمته ولدت في ملكه ، فبينة المعتق أولى ; لأن فيها إثبات حريتها ، ولا يجوز أن توطأ بالملك بعدما قامت البينة على حريتها ، ولو شهد شهود كل واحد منهما مع ذلك بالغصب على الآخر كان شهود العتق أيضا أولى ; لأن البينتين تعارضتا في أن كل واحدة منهما دافعة للأخرى طاعنة فيها ، وللمعارضة لا تندفع واحدة منهما بالأخرى ، ثم في بينة ذي اليد زيادة إثبات الحرية لها ، واستحقاق الولاء عليها ; وهذا لأن الولاء أقوى من الملك ; لأنه لا يحتمل النقض بعد ثبوته ، وإذا كان في إحدى البينتين إثبات حق قوي ليس ذلك في الأخرى تترجح هذه البينة ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية