الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا سعى ولد المكاتب المولود في مكاتبته وقضى مكاتبته وعتق ثم حضر غرماء أبيه لم يكن لهم أن يأخذوا من المولى ما أخذ ولكنهم يتبعون الولد بدينهم ; لأنه بعد موت أبيه قائم مقامه ، والمكاتب في حياته لو أدى المكاتبة أولا عتق ولا سبيل للغرماء على ما أخذه المولى فكذلك ولده بعد موته استحسانا ، نقول فإن كان المكاتب ترك مالا فأداه الابن إلى السيد فإن الغرماء يرجعون بذلك المال على السيد ; لأن حقهم ثابت في ذلك المال بموت المكاتب وهو مقدم على حق المولى فلا يملك الولد إبطال ذلك الحق عليهم ثم قال ويعود الابن مكاتبا كما كان ; لأن أداءه لما بطل صار كأن لم يؤد بدل الكتابة إلى المولى وقد قال قبل هذا في الفصل بعينه إنه يكون حرا وهكذا يذكر في آخر الكتاب ويضيفه إلى أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أن ابن المكاتب إذا أدى من تركة المكاتب مالا في المكاتبة ولحقه دين كان على الميت فالعتق ماض فيؤخذ من المولى ما أخذ ويرجع على الابن ببدل الكتابة ، وهذا هو الأصح ; لأن شرط عتقه قد وجد وهو الأداء فيعتق .

وإن كان المال مستحقا [ ص: 64 ] للغرماء ولكن على الرواية الأخرى يقول هو لا يخلف أباه في كسبه ما بقي الرق فيه فلا معتبر بأدائه في ذلك ولكن يخلفه فيما يكتسبه بنفسه فيعتبر أداؤه في ذلك ولهذا يسلم للمولى ما يقبضه من تركة المكاتب وقد بينا فيما سبق وجوه وصية المكاتب فإن أوصى لعبد له ، فقال بيعوه بعد موتي نسمة فهذا باطل ; لأن هذا وصية للعبد بقدر ثلثه فإن البيع نسمة يكون للعتق والمشتري لا يرغب فيه بمثل الثمن ألا ترى أن الحر لو أوصى بهذا يحط عنه من الثمن بقدر ثلث ماله إذا لم يكن يرغب في الشراء بأكثر منه ووصية المكاتب بالثلث باطلة ، وإن مات عن وفاء لما بينا أن كسبه لا يحتمل التبرع فإن أجازوا بعد الموت ثم أرادوا أن يدفعوه إلى صاحبهم فلهم ذلك ; لأن العقد كان لغوا باعتبار أنه لم يصادف محله فلا تعمل الإجازة في لزومه بخلاف ورثة الحر إذا أجازوا وصيته بما زاد على الثلث ; لأن ذلك صادف محله لكونه مملوكا له ولكنه امتنع نفوذه لحق الورثة فإجازتهم تكون إسقاطا لحقهم فلهذا يتم بنفسه وهنا لم يصادف محله فلا تعمل الإجازة فيه ولكنهم لو دفعوه إلى صاحبه بعد الإجازة ففي القياس لهم الاسترداد أيضا ; لأن الإجارة لا ينعقد بها العقد ابتداء ، ألا ترى أن الصبي لو طلق امرأته ثم أجازه بعد البلوغ كان لغوا ولكنه استحسن فقال دفعهم المال إلى صاحبه تمليك منه لذلك المال وتمليكهم صحيح بعد ما خلص المال لهم من الوجه الذي قصد تمليكه فلهذا يصح ذلك ليحصل مقصودهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية