الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال لها : أنت طالق إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت فردت الأمر لم يكن ردا ولا يقتصر على المجلس ) أما كلمة متى ومتى ما فلأنهما للوقت وهي عامة في الأوقات كلها ، كأنه قال في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس بالإجماع ، ولو ردت الأمر لم يكن ردا لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت فلم يكن تمليكا [ ص: 106 ] قبل المشيئة حتى يرتد بالرد ، ولا تطلق نفسها إلا واحدة لأنها تعم الأزمان دون الأفعال فتملك التطليق في كل زمان ولا تملك تطليقا بعد تطليق ، وأما كلمة إذا وإذا ما فهما ومتى سواء عندهما . وعند أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه وإن كان يستعمل للشرط كما يستعمل للوقت لكن الأمر صار بيدها فلا يخرج بالشك وقد مر من قبل .

التالي السابق


( قوله ولو قال : أنت طالق إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت فردت ) بأن قالت : لا أشاء لا يكون ردا ولها أن تشاء بعد ذلك ولا يقتصر على المجلس ، أما كلمة متى فإنها لعموم الأوقات كأنه قال في أي وقت شئت ، وإنما [ ص: 106 ] لم يرتد بردها لأنه لم يملكها في الحال شيئا بل أضافه إلى وقت مشيئتها فلا يكون تمليكا قبله فلا يرتد بالرد .

وقد يقال : ليس هذا تمليكا في حال أصلا لأنه صرح بطلاقها معلقا بشرط مشيئتها ، فإذا وجدت مشيئتها وقع طلاقه ، وإنما يصح ما ذكر في لفظ طلقي نفسك إذا شئت لأنها تتصرف بحكم الملك ، بخلاف ما لو قالت : طلقت نفسي في هذه المسألة فإنه وإن وقع الطلاق لكن الواقع طلاقه المعلق وقولها طلقت إيجاد للشرط الذي هو مشيئة الطلاق على تقدير أن المشيئة تقارن الإيجاد ، ثم لا تملك طلاق نفسها إلا مرة واحدة لأنها تعم الأزمان لا الأفعال بخلاف كلما ( قوله وأما كلمة إذا وإذا ما فهي كمتى عندهما ) فما كان حكما لمتى يكون حكما لإذا ( وعند أبي حنيفة رحمه الله وإن كانت إذا تستعمل للشرط ) المجرد عن معنى الزمان كما تقدم ( لكنها تستعمل للوقت ) أيضا مجردا عن معنى الشرط ومقرونا به ، وكل موضع تحقق فيه ثبوت حكم لا يحكم بزواله بالشك ، ففي قوله أنت طالق إذا لم أطلقك الحكم الثابت عدم الطلاق فلا يحكم بزواله بوقوع الطلاق إلا بيقين وهو أن يراد بها الزمان وهو غير لازم من استعمالها فلا تطلق إلا بالموت ، وفي أنت طالق إذا شئت صار الأمر في يدها فلا يخرج بانقضاء المجلس إلا بيقين وهو أن يراد بها الشرط المجرد وهو غير لازم من استعمالها .

نعم لو صرح فقال : أردت مجرد الشرط لنا أن نقول يتقيد بالمجلس كما إذا قال : أنت طالق إن شئت فإنه يتقيد بالمجلس ويحلف لنفي التهمة على نحو ما تقدم أنه أراده وقوله وقد مر : يعني في فصل إضافة الطلاق . هذا والوجه في تقريره غير هذا وهو أن قوله إذا شئت يحتمل أنه تعليق طلاقهما بشرط هو مشيئتها وأنه أضافه إلى زمانه ، وعلى كل من التقديرين لا يرتد بالرد حتى إذا تحققت مشيئتها بعد ذلك بأن قالت : شئت ذلك الطلاق أو قالت : طلقت نفسي وقع معلقا كان أو مضافا لا ما قال المصنف من أن الأمر دخل في يدها فلا يخرج بالشك لأن معناه أنه ثبت ملكها بالتمليك فلا يخرج بالشك في المراد بإذا أنه محض الشرط فيخرج من يدها بعد المجلس أو الزمان فلا يخرج كمتى ، وقد صرح آنفا في متى بعدم ثبوت التمليك قبل المشيئة لأنه إنما ملكها في الوقت الذي شاءت فيه فلم يكن تمليكا قبله حتى يرتد بالرد .

وعلى ما ذكرنا فالذي دخل في ملكها تحقيق الشرط أو المضاف إليه الزمان وهو مشيئتها الطلاق ليقع طلاقه .




الخدمات العلمية