الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج ) وقال الشافعي : ترد بالعيوب الخمسة وهي : الجذام والبرص والجنون والرتق والقرن لأنها تمنع الاستيفاء حسا أو طبعا [ ص: 304 ] والطبع مؤيد بالشرع . قال عليه الصلاة والسلام { فر من المجذوم فرارك من الأسد } [ ص: 305 ] ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ فاختلاله بهذه العيوب أولى ، وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات والمستحق هو التمكن وهو حاصل .

التالي السابق


( قوله وإذا كان بالزوجة عيب ) إلخ الحاصل أنه ليس [ ص: 304 ] لواحد من الزوجين خيار فسخ النكاح بعيب في الآخر كائنا من كان عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وهو قول عطاء والنخعي وعمر بن عبد العزيز وأبي زياد وأبي قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والخطابي وداود الظاهري وأتباعه . وفي المبسوط : إنه مذهب علي وابن مسعود رضي الله عنهما . وعند محمد : لا خيار للزوج بعيب في المرأة ولها هي الخيار بعيب فيه من الثلاثة : الجنون ، والجذام ، والبرص . وقال الشافعي رحمه الله : لكل منهما خيار الفسخ بهذه الثلاثة ، وللزوج الفسخ إذا كانت رتقاء أو قرناء أيضا ، فله الخيار في خمسة عيوب ولها في ثلاثة ، وهو قول مالك وأحمد . وقال الزهري وشريح وأبو ثور وترد بجميع العيوب ، وكذا من الجنون العارض والجذام والبرص والجنون مشهورات ، والفعل من الأول والآخر على البناء للمفعول فيقال : جذم وجن إذا أصيب بالجذام والجنون فهو مجذوم ومجنون ، ولا يقال أجذم ولا أجن ولا مجن ، وثلاثة من أسماء المفعولين من أفعل جاءت على مفعول دون مفعل على غير قياس : مجنون ومحزون من أحزنه الله ومحبوب من أحبه الله . وجاء على القياس في الثالث في قول عنترة :

ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب

المكرم والفعل من البرص برص فهو أبرص وأبرصه الله .

والرتق الالتحام ، والرتقاء هي الملتحمة . والقرن في الفرج إما غدة غليظة أو عظم يمنع سلوك الذكر . للشافعي رحمه الله ومن معه النص في بعضها وقياسان في بعضها ، وثلاثة أقيسة في بعضها . أما النص فما روي { أنه صلى الله عليه وسلم رد بالعيب ، قال للتي رأى بكشحها وضحا أو بياضا الحقي بأهلك } فصار البرص منصوصا عليه فيلحق به الجذام والجنون بجامع أنه ينفر منه الطبع ، وهذا الوصف وهو كونه منافرا للطبع دل الشرع على اعتباره في جنس العلل وهو المباعدة والفرار فإنه جنس الفسخ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { فر من المجذوم فرارك من الأسد } ويجعل الجذام منصوصا عليه في هذا الحديث لأن الفرار يثبت بفسخ نكاحه . والحديث رواه البخاري تعليقا عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم { لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، وفر من المجذوم فرارك من الأسد } ويقاس النكاح على البيع في أنه يفسخ بهذه العيوب ، هكذا عيوب يفسخ بها البيع فيفسخ بها النكاح . وقياسا على المجبوب بجامع المنافع الحسي فيما به فوات مقصود النكاح في حق كل منهما .

قلنا : أما الحديث الأول فلم يصح لأنه من رواية جميل بن زيد وهو متروك عن زيد بن كعب بن عجرة وهو مجهول لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد ، ولو سلم جاز أن يكون طلاقا . فإن لفظ الحقي بأهلك من كنايات الطلاق وأما الثاني فظاهره غير مراد للاتفاق على إباحة القرب منه ويثاب بخدمته وتمريضه وعلى القيام بمصالحه . وأما القياس فتخلف فيه جزء المقتضي أو شرطه ، فإن المقتضي بفسخ العيب مع وقوعه في عقد مبادلة تجري فيه المشاححة والمضايقة بسبب كون المراد منه من الجانبين المال وهذا شرط عمله ، والنكاح ليس كذلك فإن المال فيه تابع غير مقصود ، وإنما شرع إظهارا لخطر المحل ، ولهذا اختلفت لوازمهما حتى [ ص: 305 ] أجزناه على عبد وفرس غير موصوفين وصحح مع عدم رؤية المرأة أصلا ، بخلاف البيع عنده ، ثم إذا رأى عندنا المبيع يثبت له خيار للرد بلا عيب ، وفي النكاح لو شرط وصفا مرغوبا فيه كالعذرة والجمال والرشاقة وصغر السن فظهرت ثيبا عجوزا شوهاء ذات شق مائل ولعاب سائل وأنف هائل وعقل زائل لا خيار له في فسخ النكاح به ، وفي البيع يفسخ بدون ذلك ، ولو هزلا بالبيع لم ينفذ ، وينعقد النكاح بالهزل به فكذلك بالعلة مقتضية .

وعن القياس الثالث بمنع وجود العلة في الفرع وهو امتناع حصول المقصود لجواز أن يطأ من هي كذلك ويتوصل بالشق والقطع والكسر غاية ما فيه نفرة طبيعية ، وذلك لم يوجب الفسخ اتفاقا للاتفاق على عدمه في ذات القروح الفاحشة والبخر الزائد حينئذ ، وقول محمد إن وجود ذلك فيه يعطل عليها المقصود للوجه الأخير بخلافه هو إذا وجدها كذلك لأنه يتمكن من إزالة الضرر عن نفسه بالطلاق ، ووجه دفعه ودفع قول الزهري ومن معه انتظمه دفع أقيسة الشافعي ومن معه .

( قوله ولنا أن فوات الاستيفاء أصلا بالموت قبل الدخول لا يوجب الفسخ ) فاختلاله بهذه العيوب أولى أن لا يوجب الفسخ ، ونظر فيه بأن النكاح مؤقت بحياتهما .

( قوله وهذا ) أي كون هذه العيوب لا توجب الفسخ ; لأن الاستيفاء من الثمرات فلا تراعى من كل وجه على الكمال والمستحق التمكن : أي التمكن من الوطء وهو غير ممتنع لما قلنا .




الخدمات العلمية