الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا كان للابن الغائب مال قضي فيه بنفقة أبويه ) وقد بينا الوجه فيه ( وإذا باع أبوه متاعه في نفقته جاز ) عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى عليه ، وهذا استحسان ( وإن باع العقار لم يجز ) وفي قولهما لا يجوز ذلك كله وهو القياس ، لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ، ولهذا لا يملك في حال حضرته ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة ، [ ص: 424 ] وكذا لا تملك الأم في النفقة . ولأبي حنيفة رحمه الله أن للأب ولاية الحفظ في مال الغائب ; ألا ترى أن للوصي ذلك فالأب أولى لوفور شفقته ، وبيع المنقول من باب الحفظ ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها ، وبخلاف غير الأب من الأقارب لأنه لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر . إذا جاز بيع الأب فالثمن من جنس حقه وهو النفقة فله الاستيفاء منه ، كما لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية ، ثم له أن يأخذ منه بنفقته لأنه من جنس حقه ( وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه وأنفقا منه لم يضمنا ) لأنهما استوفيا حقهما لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر وقد أخذا جنس الحق [ ص: 425 ] ( وإن كان له مال في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن ) لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية لأنه نائب في الحفظ لا غير ، بخلاف ما إذا أمره القاضي لأن أمره ملزم لعموم ولايته . وإذا ضمن لا يرجع على القابض لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه كان متبرعا به .

التالي السابق


( قوله وإذا كان للابن الغائب مال قضى فيه بنفقة أبويه ) لما قدمنا أن كل من يقضي له بالنفقة عند غيبة من عليه جاز له أن يأخذ إذا قدر بلا قضاء ، فالوالدان والولد والزوجة إذا قدروا على مال من جنس حقهم جاز لهم أن ينفقوه على أنفسهم إذا احتاجوا .

( قوله وقد بينا الوجه فيه ) عند قوله فيما سبق ولا يقضى بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء وهو قوله . ووجه الفرق أن نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء ، ولهذا كان لهم أن يأخذوا فكان قضاء القاضي إعانة لهم .

( قوله وإن باع العقار لم يجز ) ولا يجوز للأب بيع عقار الابن إلا إذا كان الابن صغيرا أو مجنونا ، ولا يجوز لغيره مطلقا .

( قوله لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ) وقرر في النهاية وجه [ ص: 424 ] القياس بأن ولاية الأب تنقطع ببلوغ الصبي رشيدا إلا فيما يبيعه تحصينا على الغائب . ولا يخفى أن قيد الرشيد ليس معتبرا في انقطاع ولاية الأب . نعم إذا بلغ غير رشيد لا يسلم إليه ماله حتى يؤنس منه الرشد أو يبلغ خمسا وعشرين سنة على ما عرف ، ومع ذلك لا حجر عليه حتى أمكنه أن يباشر العقود الموجبة للدين عليه ، ولذا قال في جواب أبي حنيفة هناك : إن منع المال لا يفيد مع فك الحجر لأنه يتلفه بلسانه بأن يباشر العقود إلى آخر ما عرف في باب الحجر .

( قوله وكذا لا تملك الأم في نفقتها ) مع أنها مساوية للأب في استحقاق النفقة ، وكذا ليس للقاضي أن يحكم به مع عموم ولايته .

( قوله ولأبي حنيفة ) حاصله الفرق بين الأب وغيره بثبوت ولاية حفظ مال الابن الكبير الغائب ، وبيع العروض من باب الحفظ لأنه يخشى عليه التلف ، وإذا ملكه الوصي فلأن يملكه الأب أولى ; لأن الوصي يستفيد الولاية من جهته فمن المحال أن لا يكون له ولاية وغيره يستفيدها منه ، وإذا جاز بيعه صار الحاصل عنده الثمن وهو جنس حقه فيأخذه ، بخلاف العقار لأنه محصن بنفسه فلا يحتاج إلى الحفظ بالبيع فليس للأب بيعه إلا بمحض الولاية وذلك عند صغر الولد أو جنونه ، ومقتضى هذا صحة بيع الأب للعروض على الكبير إذا لم يكن للدين ، بخلاف غير الأب ليس له ولاية الحفظ فليس له البيع ، لكن نقل في الذخيرة عن الأقضية جواز بيع [ ص: 425 ] الأبوين ، وهكذا ذكر القدوري في شرحه فإنه أضاف البيع إليهما فيحتمل أن يكون في المسألة روايتان : وجه رواية الأقضية أن معنى الولاد يجمعهما وهما في استحقاق النفقة سواء ، وعلى تقدير الإنفاق فتأويله أن الأب هو الذي يتولى البيع وينفق عليه وعليها .

أما بيعها بنفسها فبعيد لأن جواز البيع غير منوط بالولاد ولا باستحقاق النفقة بل بثبوت ولاية الحفظ .

( قوله فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن ) أي في القضاء ، أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا ضمان عليه ، ولو مات الغائب حل له أن يحلف لورثته أنهم ليس لهم عليه حق لأنه لم يرد بذلك غير الإصلاح . وفي النوادر : لو لم يكن في مكان يمكن استطلاع رأي القاضي لا يضمن استحسانا . وقالوا في رفقة في سفر أغمي على أحدهم أو مات فأنفقوا عليه وجهزوه من ماله لا يضمنون استحسانا ومات من جماعة من أصحاب محمد خرجوا إلى الحج واحد فباعوا ما كان له معهم . فلما وصلوا سألهم محمد فذكروا له ذلك . فقال محمد : لو لم تفعلوا ذلك لم تكونوا فقهاء ، وكذا باع محمد كتب تلميذ له مات وأنفق في تجهيزه فقيل له : إنه لم يوص بذلك فتلا قوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } وقالوا في عبد مأذون مات مولاه في بلاد بعيدة فأنفق على نفسه وما معه من الدواب والأمتعة لا يضمن ، وكذا عن مشايخ بلخ في مسجد له أوقاف ولا متولي له فقام رجل من أهل المحلة في جمع ريعها وأنفق على مصالح المسجد فيما يحتاج من شراء الزيت والحصر والحشيش لا يضمن استحسانا .

( قوله فظهر إلخ ) يعني إذا ضمنه الغائب ظهر ملكه لما دفعه للأبوين حال دفعه لهما فيظهر أنه كان متبرعا بملكه لهما فلا رجوع له عليهما .




الخدمات العلمية