الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يشترطان ) أي الإيجاب والقبول في الصدقة بل يكفي الإعطاء والأخذ ولا ( في الهدية ) وإن لم يكن مأكولا ( على الصحيح بل يكفي البعث من هذا ) ويكون كالإيجاب ( والقبض من ذاك ) ويكون كالقبول لجريان عادة السلف بل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ومع ذلك كانوا يتصرفون فيه تصرف الملاك فسقط ما يتوهم منه أنه كان إباحة .

                                                                                                                            والثاني يشترطان كالهبة ، ويشترط في الواهب كونه أهلا للتبرع وفي المتهب أهلية الملك فلا تصح [ ص: 409 ] هبة ولي ولا مكاتب لم يأذن له سيده في ذلك ، ولا تصح الهبة بأنواعها مع شرط مفسد كأن لا يزيل ملكه عنه ، ولا مؤقتة ولا معلقة إلا في مسائل العمرى والرقبى كما قال ( ولو ) ( قال أعمرتك هذه الدار ) أو هذا الحيوان مثلا أي جعلتها لك عمرك ( فإذا دمت فهي لورثتك ) أو لعقبك ( فهي ) أي الصيغة المذكورة ( هبة ) أي صيغة هبة طول فيها العبارة فيعتبر فيها القبول وتلزم بالقبض وتكون لورثته ولا تختص بعقبه إلغاء لظاهر لفظه عملا بالخبر الآتي ، ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم { أيما رجل أعمر عمرى فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها } وظاهر عبارة المصنف كغيره عدم الفرق في هذه الألفاظ بين العالم بمعناها والجاهل به ، واستشكله الأذرعي قال : وفي الروضة في الكتابة عن المروزي أن قريب الإسلام وجاهل الأحكام لا يصح تدبيره بلفظه حتى ينضم إليه نية أو زيادة لفظ ا هـ .

                                                                                                                            والأقرب أخذا من قولهم في الطلاق لا بد من قصد اللفظ لمعناه أنه لا بد من معرفة اللفظ ولم يوجد حتى يقصده .

                                                                                                                            نعم من أتى بلفظ صريح وادعى جهله بمعناه لم يصدق إلا إن دلت قرينة حاله على ذلك لعدم مخالطته [ ص: 410 ] لمن يعرف كما صرح به الأذرعي ( ولو اقتصر على أعمرتك ) كذا ولم يتعرض لما بعد موته ( فكذا ) هو هبة ( في الجديد ) لخبر الشيخين { العمرى ميراث لأهلها } وجعلها له مدة حياته لا ينافي انتقالها لورثته فإن الأملاك كلها مقدرة بحياة المالك ، وكأنهم إنما لم يأخذوا بقول جابر رضي الله عنه : إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك ، فإذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها لأنه قال بحسب اجتهاده ، والقديم بطلانه كما لو قال أعمرتك سنة ( ولو قال ) أعمرتك هذه أو جعلتها لك عمرك ، وألحق به السبكي وهبتك هذه عمرك ( فإذا مت عادت إلي ) أو إلى ورثتي إن كنت مت ( فكذا ) هو هبة ( في الأصح ) إلغاء للشرط الفاسد وإن ظن لزومه لإطلاق الأخبار الصحيحة ولهذا عدلوا به عن قياس سائر الشروط الفاسدة ، إذ ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط المنافي لمقتضاه إلا هذا .

                                                                                                                            والثاني يبطل العقد لفساد الشرط ، وخرج بعمرك عمري أو عمر زيد فيبطل لأنه تأقيت إذ قد يموت هذا أو الأجنبي أولا ( ولو ) ( قال أرقبتك ) هذه من الرقوب لأن كل واحد يرقب موت صاحبه ( أو جعلتها لك رقبى ) واقتصر على ذلك أو ضم إليه ما بعد أي التفسيرية في قوله ( أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين القديم والجديد ) فعلى الجديد الأصح يصح ويلغو الشرط الفاسد فيشترط قبولها والقبض ، وذلك لخبر أبي داود والنسائي { لا تعمروا ولا ترقبوا ، فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته } أي لا ترقبوا ولا تعمروا طمعا في أن يعود إليكم فإن سبيله الميراث ، ومقابل المذهب القطع بالبطلان .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والقبض من ذاك ) هل يكفي الوضع بين يديه كما في البيع ، ثم رأيت في تجريد المزجد ما نصه : في فتاوى البغوي يحصل ملك الهبة بوضع المهدي بين يديه إذا أعلمه به ولو أهدى إلى صبي ووضعه بين يديه وأخذه الصبي لا يملكه انتهى وهو يفيد ملك البائع بالوضع بين يديه وقد جعلوا ذلك قبضا في البيع .

                                                                                                                            وعبارة العباب : وتملك الهدية بوضعها بين يدي المهدى إليه البالغ لا الصبي وإن أخذها ا هـ .

                                                                                                                            بقي ما لو أتلفها الصبي ، والحال ما ذكر فهل يضمنها ، وينبغي عدم الضمان لأنه سلطه عليها بإهدائها له ووضعها بين يديه كما يؤخذ مما سيأتي في الوديعة أنه لو باع الصبي شيئا وسلم له فأتلفه لم يضمنه لأنه سلطه عليه ، والهبة كالبيع كما هو ظاهر والوضع بين يديه إقباض كما تقرر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقضية التعبير بالبالغ أنه يكفي القبول من السفيه ولا يتوقف على قبول وليه ولا قبضه ، وهو غير مراد ( قوله : أنه كان إباحة ) أي دفع بعض الصحابة لبعض شيئا .

                                                                                                                            ( قوله : وفي المتهب أهلية الملك ) أي التملك ، فلا يقال هذا قد يفهم منه أنه لا يشترط في المتهب الرشد بل يقتضي صحة قبول الهبة من الطفل ، وفي حاشية سم على حج : فرع : سئل شيخنا الشهاب الرملي عن شخص بالغ تصدق على ولد مميز بصدقة ووقعت الصدقة في يده من المتصدق فهل يملكها المتصدق عليه بوقوعها في يده كما لو احتطب أو احتش أو نحو ذلك أم لا يملكها لأن القبض غير صحيح ، وقد قالوا في نثار الوليمة أنه لو أخذه آخذ ملكه ، وهل [ ص: 409 ] نثار الوليمة يكون ناثره معرضا عنه إعراضا خاصا حتى يكون له الرجوع فيما أعطاه للصبي ، والحال أن الصدقة صدقة تطوع أم لا ؟ فأجاب بأنه لا يملك الصبي ما تصدق به عليه إلا بقبض وليه ، والفرق بينه وبين ملكه للنثار واضح .

                                                                                                                            [ فرع ] سئل عن رقيق تصدق عليه شخص بصدقة كثوب أو دراهم وشرط المتصدق انتفاعه بها دون سيده هل يصح التصدق ؟ فإن قلتم نعم فهل تجب مراعاة هذا الشرط حتى يمتنع على سيده أخذها منه ويجب صرفها على الرقيق ؟ وإن قلتم لا يصح فهل لذلك حكم الإباحة حتى يجوز للعبد أن يلبس الثوب وينتفع بالدراهم ويمتنع ذلك على السيد ؟ فأجاب بأنه إن قصد المتصدق نفس الرقيق بطلت وإلا لم تكن إباحة أو السيد أو أطلق صحت ، ويجب مراعاة ذلك الشرط كما لو أوصى لدابة بشيء وقصد صرفه في علفها ولا يؤثر فيها شرط انتفاعه بها دون سيده لأن كفايته على سيده فهو المقصود بالصدقة ا هـ .

                                                                                                                            أقول : وقد يقال ما ذكر من الصحة مع الشرط المذكور مشكل على ما سنذكره عن حج من أنه لو أعطاه دراهم بشرط أن يشتري بها عمامة لم يصح ، وقول م ر في جوابه عن السؤال الأول : لا يملك الصبي ما تصدق به عليه .

                                                                                                                            أقول : وعلى عدم الملك فهل يحرم الدفع له كما يحرم تعاطي العقد الفاسد معه أم لا لانتفاء العقد المذكور ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الحرمة ، ويحمل ذلك من البالغ على الإباحة كتقديم الطعام للضيف فيثاب عليه فللمبيح الرجوع فيه ما دام باقيا ، هذا ومحل الجواز حيث لم تدل قرينة على عدم رضا الولي بالدفع لهم ، سيما إن كان ذلك يعودهم على دناءة النفس والرذالة فيحرم الإعطاء لهم لا لعدم الملك بل لما يترتب عليه من المفسدة الظاهرة .

                                                                                                                            ( قوله : لا يزيل ملكه ) وكشرط أن يشتري به كذا كما صرح به حج ، بخلاف ما لو دفعه ليشتري به ذلك من غير تصريح بالشرط فإنه يصح ويجب عليه شراء ما قصده الدافع .

                                                                                                                            قال شيخنا الزيادي : ومثل ذلك ما لو قال خذه واشتر به كذا ، فإن دلت القرينة على قصد ذلك حقيقة أو أطلق وجب شراؤه به ، ولو مات قبل صرفه في ذلك انتقل لورثته ملكا مطلقا ، وإن قصد التبسط المعتاد صرفه كيف شاء .

                                                                                                                            ( قوله : إلا في مسائل العمري ) أي ولو بغير لفظها لما يأتي عن السبكي كوهبتك هذه عمرك .

                                                                                                                            ( قوله : ولا تختص بعقبه ) أي بل تشمل جميع الورثة كالأعمام والإخوة .

                                                                                                                            ( قوله : أيما رجل ) بالجر والرفع والأول واضح والثاني بدل من أي وما زائدة لتوكيد الشرط ا هـ شرح الإعلام لشيخ الإسلام .

                                                                                                                            ( قوله : أو زيادة لفظ ) يدل على أنه أراد إعتاقه بعد الموت .

                                                                                                                            ( قوله : لا بد من معرفة اللفظ ) [ ص: 410 ] أي فلا يكون ظاهر عبارة المصنف مرادا ( قوله إنما العمري ) أي التي يقتضي لفظها أن يكون هبة .

                                                                                                                            ( قوله : ولهذا عدلوا به ) أي بهذا الشرط ( قوله إلا هذا ) أي العمرى والرقبى ، وعلى هذا فكل ما قيل فيه يصح العقد ويلغو الشرط يجب فرضه فيما لا يكون الشرط فيه منافيا للعقد .

                                                                                                                            ( قوله : وخرج بعمرك ) أي المذكور في قوله السابق : أي جعلتها لك عمرك .

                                                                                                                            ( قوله : يرقب ) بابه دخل ا هـ مختار .

                                                                                                                            ( قوله : أي لا ترقبوا ) منه يعلم أن أرقب وأعمر مبنيان لما لم يسم فاعله ، وأصح منه في ذلك ما مر من قوله صلى الله عليه وسلم { أيما رجل أعمر عمرى فإنها للذي أعطيها لا ترجع للذي أعطاها } .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 409 ] قوله : : ولم يوجد ) كذا في نسخ الشارح ، وعبارة التحفة : ولو بوجه ، ولعل عبارة الشارح محرفة عنها من الكتبة وإن أمكن تصحيحها [ ص: 410 ] قوله : وجعلها له مدة حياته ) أي : الذي تضمنه قوله : أعمرتك




                                                                                                                            الخدمات العلمية