الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن قلنا : إن الثواب واجب ، والمكافأة مستحقة ، فلا يخلو أن يشترط الثواب أو لا يشترطه ، فإن لم يشترطه لزمه بالعقد ، وفيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أن عليه أن يثيب ويكافئ حتى يرضى الواهب : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يكافئ الأعرابي حتى رضي .

                                                                                                                                            والقول الثاني : عليه أن يكافئ بما يكون في العرف ثوابا لمثل تلك الهبة : لأن الرضا لا ينحصر ، فكان العرف أولى أن يعتبره .

                                                                                                                                            [ ص: 551 ] والقول الثالث : عليه أن يكافئ بقدر قيمة الهبة ، لا يلزمه الزيادة عليها ، ولا يجزئه النقصان منها : لأن ما استحق فيه البدل إذا عدم المسمى رجع إلى القيمة اعتبارا بمهر المثل وقيم المتلفات ، فعلى هذا يكون الموهوب له بالخيار بين أن يكافئ في مقدار ما ذكرناه من الثواب وبين أن يرد الهبة ، ولا خيار للواهب في أحد الأمرين ، فإن رد الهبة لم يكن للواهب أن يطالبه بالثواب ، فإن ردها ناقصة فإن كان نقصها بفعله ضمنه للواهب ، وإن كان بغير فعله ففي ضمانه إياه وجهان أصحهما عليه ضمانه .

                                                                                                                                            والثاني : لا يضمنه ، وإن ردها وقد زادت فإن كانت الزيادة لا تتميز كالطول والسمن أخذها الواهب زائدة : لأن ما لا يتميز من الزيادات تبع للأصل ، وإن كانت الزيادة متميزة فهي للموهوب له كالنتاج والثمرة لحدوثها على ملكه ، ولا يلزمه دفعها إلى الواهب وإن رد عليه الهبة ، وإن لم يرد الهبة وكافأه عليها بما ذكرناه من الثواب فيها ، فالواهب بالخيار بين أن يقبل المكافأة وبين أن لا يقبل ، ولا خيار له في استرجاع الهبة ، فإن قبل المكافأة ثم استحقت من يده ، فالموهوب له بالخيار بين أن يكافئه ثانية وبين أن يرد الهبة ، ولو استحقت الهبة دون المكافأة كان للموهوب له أن يرجع بالمكافأة ، فلو قال الواهب : أنا أهب لك مثل تلك الهبة ، ولا أرد المكافأة لم يكن ذلك له بخلاف استحقاق المكافأة ، فلو لم يكافئ الموهوب له عن نفسه وكافأه عنه غيره جاز ، ولا رجوع للواهب لوصول الثواب إليه ، ولا رجوع للمكافئ على الموهوب له بما أثاب عنه وكافأ : لأنه متطوع إلا أن يكافئ بأمره فيرجع عليه ، فلو لم يكافئه الموهوب له عن الهبة حتى تلفت في يده بغير فعله ففي وجوب الثواب عليه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما لا يجب عليه الثواب : لأنه إنما يجب عليه أن يكافئ ويثيب في الحال التي إن رد ولم يثب ، فعلى هذا تتلف غير مضمونة عليه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن الثواب واجب عليه لاستحقاقه بالعقد ، فإن أثاب ، وإلا ضمنها بالقيمة لتلفها عن بدل فائت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية