الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        مؤنة الرهن التي يبقى بها ، كنفقة العبد وكسوته ، وعلف الدابة على الراهن . وفي معناها ، سقي الأشجار والكروم ، ومؤنة الجداد ، وتجفيف الثمار ، وأجرة الاصطبل ، والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع به من هو في يده ، وأجرة من يرد الآبق ، وما أشبه ذلك . وحكى الإمام والمتولي وجهين ، في أن هذه المؤن ، هل يجبر عليها الراهن حتى يقوم بها من خالص ماله ، أصحهما : الإجبار ، حفظا للوثيقة . والثاني : عن الشيخ أبي محمد وغيره : لا يجبر ، بل يبيع القاضي جزءا منه فيها بحسب الحاجة . وفرع الإمام على هذا ، أن النفقة لو كانت تأكل الرهن قبل الأجل ، ألحق في ذلك بما يفسد قبل الأجل ، فيباع ويجعل ثمنه رهنا ، وهذا ضعيف ، وكذا أصله المفرع عليه . وإذا قلنا بالأصح فلم يكن للراهن شيء ، أو لم يكن حاضرا ، باع الحاكم جزءا من المرهون واكترى به بيتا يحفظ فيه الرهن ، كذا قاله الأصحاب .

                                                                                                                                                                        [ ص: 94 ] وأما المؤنات الدائرة ، فيشبه أن يقال : حكمها حكم ما لو هرب الجمال وترك الجمال المستأجرة ، أو عجز عن الإنفاق عليها .

                                                                                                                                                                        قلت : قال القاضي أبو الطيب : إن قال المرتهن : أنا أنفق عليه لأرجع في مال الراهن ، أذن له الحاكم . فإن اتفق وأراد أن يكون رهنا بالنفقة والدين ، فهو كفدائه المرهون الجاني على أن يكون رهنا بالدين والفداء ، وقد نص على جوازه ، وفيه طريقان تقدما . والمذهب : الصحة . فإن أنفق بغير إذن الحاكم ، فإن أمكنه الحاكم ، أو لم يمكنه ، ولم يشهد ، فلا رجوع ، وإن أشهد ، فوجهان بناء على هرب الجمال . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يمنع الراهن مصلحة في المرهون ، كفصده وحجامته ، وتوديج الدابة وبزغها والمعالجة بالأدوية والمراهم ، لكن لا يجبر عليها ، بخلاف النفقة . وطرد صاحب " التتمة " الوجهين في المداواة . ثم إن كانت المداواة مما يرجى نفعه ويؤمن ضرره ، فذاك ، وإن خيف وغلبت السلامة ، فهل للمرتهن منعه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : لا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر . فإن كان الخطر في الترك دون القطع ، فله القطع ، وليس له قطع سلعة وأصبع لا خطر في تركها ، إذا خيف ضرر ، فإن كان الغالب السلامة ، فعلى الخلاف . وله ختان العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء ، إن كان يندمل قبل حلول الأجل ; لأنه ضروري ، والغالب منه السلامة . وإن لم يندمل ، وكان فيه نقص لم يجز . وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 95 ] قلت : كذا أطلق أكثر الأصحاب ، أو كثيرون منهم ، جواز الختان من غير فرق بين الصغير والكبير ، وصرح المتولي والشيخ نصر ، بأنه لا فرق . وقال صاحب " المهذب " ومن تابعه : يمنع من ختان الكبير دون الصغير ، لخوف التلف . وهذا ظاهر نصه في " الأم " و " المختصر " ويؤيده ، أنهم عدوا عدم الختان عيبا في الكبير ، دون الصغير ، كما سبق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        له تأبير النخل المرهونة . ولو ازدحمت ، وقال أهل الخبرة : تحويلها أنفع ، جاز تحويلها ، وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر . ثم ما يقطع منها أو يجف ، يبقى مرهونا ، بخلاف ما يحدث من السعف ويجف ، فإنه غير مرهون ، كالثمرة ، وما كان ظاهرا منها عند الرهن ، قال في " التتمة " : هو مرهون . وقال في " الشامل " : لا فرق .

                                                                                                                                                                        قلت : قال القاضي أبو الطيب : وما يحصل من الليف ، والعراجين والكرب ، كالسعف . والكرب بفتح الكاف والراء : أصول السعف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يمنع من رعي الماشية وقت الأمن ، وتأوي ليلا إلى يد المرتهن أو العدل . ولو أراد الراهن أن يبعد في طلب النجعة ، وبالقرب ما يبلغ منها مبلغا ، فللمرتهن المنع ، وإلا ، فلا منع ، وتأوي إلى يد عدل يتفقان عليه ، وإلا ، فينصبه الحاكم . وإن أراد المرتهن ذلك ، وليس بالقرب ما يكفي لم يمنع . وكذا لو أراد نقل المتاع [ ص: 96 ] من بيت غير محرز إلى محرز . ولو أراد الانتقال من مكانهما ، فإن انتقلا إلى أرض واحدة ، فذاك ، وإلا ، جعلت الماشية مع الراهن ، ويحتاط ليلا كما سبق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية