الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الأدب الرابع : في الجواهر : بعد النظر في المحبوسين ، ومن نكر معهم ، ينظر في ترتيب الكتاب والمزكي والمترجم ، ويكون الكاتب عدلا مرضيا ، قال أصبغ : ويكون مرضيا مثله أو فوقه ، لأنه يخشى تغير القضاء وتبديل الأسماء والتتميم على القاضي ، ولا يغيب له على كتاب احتياطا ، ويشترط العدد في المزكي والمترجم دون الكتاب ، لأنه استبان حكما ، والكاتب كالآلة للحاكم وقال أبو إسحاق : لو ترجم له واحد جاز ، لأنه من باب الخير لا من باب الشهادة أو من باب الحكم ، والحاكم يكفي فيه واحد ، واختار القاضي أبو الحسن : إن كان الإقرار بالكافي في الترجمة شاهدا وامرأتين وروى أشهب : يترجم للقاضي رجل مسلم مؤمن واثنان أحب إلينا ، ولا يترجم كافر ولا عبد ولا مسخوط لأنه يعتمد على قول المترجم فاشترط شروط الشهادة ، ولا بأس أن يقبل ترجمة امرأة عدلة كالرواية ، وعن مطرف وعبد الملك : ذلك إذا كان مما تقبل فيه شهادة النساء إذا تعذر مترجم من الرجال قالا : وامرأتان ورجل أحب إلينا ، وأصل الكتاب : أنه _ صلى الله عليه وسلم _ كان له كتاب : علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، ومعاوية بن أبي سفيان _ رضي الله عنه _ عنهم - أجمعين ، ولأن الحاكم كثير الأشغال والنظر فلا يتفرغ يكتب بيده ، ووافقنا الأئمة على السلامة وعدالته ، وقالوا : يكون فقيها فطنا فاضلا ليفرق بين مواقع الألفاظ والواجب والجائز . [ ص: 63 ] ونزيها لئلا يستمال بالرشى وبنوع غيرها على التحامل على أحد الخصمين ، وأما المترجم عن الخصوم والشهود . فيشترط فيه ذلك واشترط ( ش ) كونه اثنين ، واكتفى ( ح ) بواحد ، ومنع العبد لأن تلايته إخبار لا شهادة ، لأنه لا يحتاج أن يقول : أشهد أنه يقول كذا ، بل يقول : هو يقول كذا ، وقياسا على المفتي ، وقاسه ( ش ) على ما إذا شهد على إقراره ، لأنه لا فرق بين عدم الفهم من القاضي وبين عدم اطلاعه ، وهو إذا لم يطلع اشترط اثنان فكذلك إذا لم يفهم .

                                                                                                                قاعدة : يقع في كلام الفقهاء كثيرا منشأ الخلاف : التردد بين الشهادة والخبر ، فما ضابط حقيقة الشهادة والخبر ؟ لأن التردد بينهما فرع تصورهما ، ولا يمكن أن يضبطا ، فاشترط العدد في الشهادة دون الخبر ، لأن اشتراطه فرع عن كونها شهادة فيجب أن يعلم أنها شهادة قبل اشتراط العدد ، فلو استفدناها من العدد لزم الدور ، فنبين الآن الحقيقتين فنقول : متعلق الخبر في الشرع من العدل ، حيث اعتبره الشرع في حق الغير احترازا من الدعوى ، إما أن يكون عاما أو خاصا فإن كان عاما : فهذا هو الخبر ، والرواية فإنها متعلقة بالخلق إلى يوم القيامة وهو سر عدم اشتراط العدد ، فإن اشتراطه في الشهادة إنما كان لتوقع العداوة الباطنة بين العدل وبين الشخص المعين ، فاشترط العدد استظهارا ، ولا يتهم أحد في معاداة الناس إلى قيام الساعة ، فالعموم سر عدم اشتراط العدد ، وهو ضابط الرواية ، وإن تعلق بالخصوص فهو الشهادة ، ثم تقع فروع مترددة بين العموم والخصوص ، فيختلف العلماء فيها لأجل الشائبتين . هل يلحق بالشهادة أو الخبر ؟ كالإخبار عن رؤية رمضان من جهة أنه لا يخص شخصا معينا أشبه الرواية فيقبل الواحد ، قاله ( ش ) ، ومن جهة أنه لا يتعدى هذه المسألة أشبه [ ص: 64 ] الشهادة فيشترط العدد ، وكذلك المترجم والقائف والمقدم ، لما تقدم ، فهذا الكشف والتحقيق عزيز ، كنت أطلبه عدة من السنين حتى وجدته للإمام المازري في شرح البرهان في أصول الفقه فتأمله .

                                                                                                                فرع :

                                                                                                                قال ابن يونس : قال مالك : يولي حاسبا ثقة يقسم ويخبره بما صار لكل واحد ، فيقبل قوله وحده ، لأنه حاكم أو مخبر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال عبد الملك : يقبل قول الطبيب الكافر في العيوب في العبد أو الأمة الحاضرين ، لأنه علم يأخذه عمن يبصره مرضي أو مسخوط واحد أو اثنان ، فإن غاب العبد أو مات ، لم يقبل إلا الشهادة بشروطها ، وكذلك يقبل في عيوب الأمة واحدة مرضية من النساء ، فإن فاتت الأمة ، لم يقبل إلا امرأتين على وجه الشهادة ، والقياس في الجراح : يكفي واحد إذا أمره الإمام ينظر ذلك ، والأحسن أن يكون عدلا ، فإن لم يجد إلا طبيبا ، جاز كما تقدم في العيوب ، وما فات لا يقبل منه إلا ما يقبل في الشهادة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية