الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث في ذكر ما وقفت عليه من أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم وشرحها وما يتعلق بها من الفوائد

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: قال بعض الصوفية: لله تعالى ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم اسم شريف.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: والذي وقفت عليه من ذلك خمسمائة اسم، مع أن في كثير منها نظرا وها أنا ذاكر ما رأيته معزيا كل اسم لم يرد في القرآن ولا في السنة برموز فللقاضي «يا » وللعزفي «ع » ولابن دحية «د » ولأبي الفتح ابن سيد الناس «ح » ولشيخنا الأسيوطي «ط » وللسخاوي «خا » وللشيخ عبد الباسط البلقيني «عا » ومن عداهم صرحت به.

                                                                                                                                                                                                                              «محمد »

                                                                                                                                                                                                                              قال الله سبحانه وتعالى: وما محمد إلا رسول قال ابن القيم رحمه الله تعالى: هو علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه صلى الله عليه وسلم وإن كان علما محضا في حق كثير ممن يسمى به غيره صلى الله عليه وسلم. وهذا شأن أسماء الرب تبارك وتعالى وأسماء نبيه صلى الله عليه وسلم، هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف مدح فلا تضاد فيها العلمية الوصفية بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين. فهو الله الخالق البارئ المصور القهار. فهذه أسماء له تعالى دالة على معان له هي صفات.

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لو كانت أعلاما محضة لا معنى لها لم تدل على مدح.

                                                                                                                                                                                                                              وهي في الأصل اسم مفعول منقول من صفة الحمد وهو بمعنى محمود، وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه، وهذا هو حقيقة الحمد وبني على زنة مفعل بتشديد العين مثل معظم ومبجل لأن هذا البناء موضوع للتكثير فإن اشتق منه اسم فاعل فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة كمعلم ومفهم ومفرح وإن اشتق منه اسم مفعول فمعناه من تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى، أو الذي يستحق له الحمد إما استحقاقا أو وقوعا.

                                                                                                                                                                                                                              فمحمد هو الذي كثر حمد الحامدين له. مرة بعد مرة، كالممدوح كما قال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                              إليك أبيت اللعن كان وجيفها إلى الماجد القرم الجواد المحمد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 408 ] أي الذي حمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                              وهو أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم وأجلها، ولذلك اختص بأمور منها: أنه لا يصح إسلام الكافر حتى يتلفظ به بأن يقول: محمد رسول الله. فلا يكفي أحمد. وجوزه الإمام الحليمي بشرط أن يضم إليه: أبا القاسم.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أنه يتعين الإتيان به في التشهد لا يكفي غيره من أسمائه ولا أحمد. كما في شرح المهذب والتحقيق. وكذلك الخطبة.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أنه على أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى، فإن الاسم الكريم على أربعة أحرف.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أن الله تعالى قرنه مع اسمه كما تقدم بيان ذلك في كتابة اسمه على العرش.

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي له تتمة.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أن الله تعالى اشتقه من اسمه المحمود، كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:


                                                                                                                                                                                                                              وضم الإله اسم النبي إلى اسمه     إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
                                                                                                                                                                                                                              وشق له من اسمه ليجله     فذو العرش محمود وهذا محمد.



                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في تاريخه الصغير، عن علي بن زيد رحمه الله تعالى قال: كان أبو طالب يقول:


                                                                                                                                                                                                                              فشق له من اسمه ليجله     فذو العرش محمود وهذا محمد

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أنه يخرج منه بالضرب مع الكسر والبسط عدد المرسلين، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وذلك أن فيه الميم الأولى والثانية المشددة بحرفين والميم إذا كسرت فهي م ي م وكل ميم بتكسيرها في الحساب تسعون، إذ الميم بأربعين والياء بعشرة فالثلاثة مائتان وسبعون والدال خمسة وثلاثون لأن الدال بأربعة والألف بواحد واللام بثلاثين والحاء بثمانية ولا تكسير فيها.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أن آدم يكنى به في الجنة دون سائر بنيه كما سيأتي.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: قال ابن العماد رحمه الله تعالى في كتاب «كشف الأسرار » : سخرت الشياطين لسليمان بذكره صلى الله عليه وسلم. [ ص: 409 ]

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: جرت سفينة نوح باسمه صلى الله عليه وسلم. قال: وقال قوم: إن معنى الميم محق الكفر بالإسلام. أو محى سيئات من اتبعه. وقيل الميم: من الله على المؤمنين. بمحمد صلى الله عليه وسلم. دل عليه قوله تعالى: لقد من الله على المؤمنين. وقيل: الميم: ملك أمته به صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: المقام المحمود. وأما الحاء فقيل: حكمه بين الخلق بحكم الله تعالى. وقيل إحياء الله تعالى أمته به. وأما الميم الثانية فمغفرة الله تعالى لأمته. وأما الدال: فهو الداعي إلى الله تعالى، قال الله تعالى: وداعيا إلى الله بإذنه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما وقوع الأحرف على هذا الشكل الخاص فقيل: لأن الله تعالى خلق الخلق على صورة محمد صلى الله عليه وسلم، فالميم بصورة رأس الإنسان والحاء بمنزلة اليدين، وباطن الحاء كالبطن وظاهرها كالظهر ومجمع الأليتين والمخرج كالميم، وطرف الدال كالرجلين. وفي ذلك أنشدوا رحمهم الله تعالى:


                                                                                                                                                                                                                              له اسم صور الرحمن ربي     خلائقه عليه كما تراه
                                                                                                                                                                                                                              له رجل وفوق الرجل ظهر     وتحت الرأس قد خلقت يداه

                                                                                                                                                                                                                              وفيه تكلف.

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي رحمه الله تعالى: وفي تسميته صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمد من بدائع الآيات وعجائب الخصائص: أن الله تعالى حمى أن يسمى بمحمد وأحمد غيره صلى الله عليه وسلم قبل زمانه.

                                                                                                                                                                                                                              أما أحمد الذي في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك. وكذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب ولا من غيرهم، إلى أن شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم أن نبيا يبعث اسمه محمد. كما روى الطبراني والبيهقي عن محمد بن عدي بن ربيعة أنه سأل أباه: لم سماه محمدا في الجاهلية؟ فقال: خرجت مع جماعة من بني تميم فنزلنا على غدير ماء، فأشرف علينا الديراني فقال لنا: إنه يبعث منكم وشيكا نبي فسارعوا إليه. فقلنا له: ما اسمه؟

                                                                                                                                                                                                                              قال: محمد. فلما انصرفنا ولد لكل منا ولد فسماه محمدا لذلك.

                                                                                                                                                                                                                              الغدير: النهر: والجمع غدران. وشيكا: سريعا وقريبا.

                                                                                                                                                                                                                              والذين سموا بهذا الاسم في الجاهلية دون العشرين. وحمى الله تعالى هؤلاء أن يدعي أحد منهم النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه شيء من سماتها، حتى تحققت لنبينا صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن أحيحة، بضم الهمزة وفتح الحاءين المهملتين بينهما تحتية ساكنة، ابن الجلاح بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة، ابن الحريش بفتح الحاء المهملة وكسر الراء ثم مثناة تحتية، ثم شين معجمة. وقال ابن هشام رحمه الله تعالى: إنها مهملة. [ ص: 410 ]

                                                                                                                                                                                                                              ونقل الدارقطني عن بكير بن أبي بكر رحمه الله تعالى أن كل ما في الأنصار فهو حريس، أي بسين مهملة، إلا هذا فإنه بالمعجمة.

                                                                                                                                                                                                                              ابن جحجبى . بجيم مفتوحة فحاء ساكنة مهملة فجيم أخرى مفتوحة، فموحدة فألف مقصورة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن دريد عفا الله تعالى عنه: والجحجبة: المجيء والذهاب والتردد في المشي.

                                                                                                                                                                                                                              ابن كلفة ووقع في نسخه من العيون ابن كلدة . والذي ذكره السهيلي والأمير: كلفة بالفاء: ابن عوف بن عمرو، بن عوف، بن مالك بن الأوس، الكناني ثم الليثي .

                                                                                                                                                                                                                              قال عبدان بن عثمان الحافظ رحمه الله تعالى: بلغني أنه أول من سمي بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن البر بتشديد الراء من غير ألف بعدها، كما نقل الحافظ عن ضبط البلاذري ويقال: البر بن طريف بن عتوارة بضم المهملة وكسرها ثم مثناة فوقية ساكنة ثم واو مفتوحة وبعد الألف راء ثم هاء: ابن عامر بن ليث، بن بكر، بن عبد مناة، بن كنانة البكري . العتواري.محمد بن الحارث بن حديج بمهملتين فمثناة تحتية فجيم مضمومة، مصغر، ابن حويص .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن حرماز بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وآخره زاي. واسم الحرماز:

                                                                                                                                                                                                                              الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن حمران بن أبي حمران. واسمه ربيعة بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن خزاعي بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين وبعد الألف عين مهملة فتحتية فياء نسب، ابن علقمة بن خزاية السلمي من بني ذكوان .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن خولي بالخاء المعجمة وسكون الواو الهمداني .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن سفيان بن مجاشع جد جد الفرزدق الشاعر المشهور، ووقع في نسخة من العيون: جد الفرزدق من غير تكرير جد، والصحيح ما في غيرها ونسخة الروض: جد جد بالتكرير.

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن عدي بن ربيعة بن سواد بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم السعدي .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الأوسي ذكره البلاذري . قال الحافظ: لا أدري أهو الأول نسب مرة إلى جده أم هما اثنان.

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن عمر بن مغفل بضم أوله وسكون المعجمة وكسر الفاء ثم لام. هو والد هبيب مصغر .

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن اليحمد بضم المثناة التحتية وسكون المهملة وكسر الميم وفتحها قال في القاموس كيمنع وكيعلم آتي أعلم، الأزدي. ونساب اليمن تزعم أنه أول من سمي بذلك. [ ص: 411 ]

                                                                                                                                                                                                                              محمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة .

                                                                                                                                                                                                                              محمد الأسدي بضم الهمزة وفتح السين المهملة. وتشديد المثناة التحتية المكسورة.

                                                                                                                                                                                                                              محمد الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف وسكون المثناة التحتية. ذكرهما ابن سعد ولم ينسبهما بأكثر من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              واقتصر السهيلي على ثلاثة والقاضي على سبعة منهم محمد بن مسلمة بفتح أوله وسكون ثانيه، وليس منه كما سيأتي.

                                                                                                                                                                                                                              وعد ابن دحية فيهم محمد بن عتوارة وهو محمد بن البر نسب لجده الأعلى.

                                                                                                                                                                                                                              والذي أدرك الإسلام منهم وأسلم: محمد بن ربيعة . ذكره ابن سعد والبغوي والبلاذري وابن السكن وابن شاهين وغيرهم في الصحابة.

                                                                                                                                                                                                                              ولا وجه لتوقف ابن الأثير في ذلك لما تقدم. ومحمد بن مسلمة هو محمد بن الحارث ذكره الحافظ في القسم الثالث من الإصابة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد نظم أسماءهم العلامة الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله تعالى في الشرح فقال:


                                                                                                                                                                                                                              إن الذين سموا باسم محمد     من قبل خير الخلق ضعف ثمان
                                                                                                                                                                                                                              ابن لبر مجاشع بن ربيعة     ثم ابن مسلم محمدي حزمان
                                                                                                                                                                                                                              ليثي هو السلمي وابن أسامة     سعدي وابن سوادة همدان
                                                                                                                                                                                                                              وابن الجلاح مع الأسيدي يا فتى     ثم الفقيمي هكذا الحمران

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: «ثم ابن مسلم » بفتح الميم أي ابن مسلمة رخمه للضرورة. وتبع في ذكره القاضي، وتعقبه في الفتح والزهر بأنه ولد بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمس عشرة سنة.

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب بعضهم بأن مراد القاضي: من ولد في الجاهلية وسمي بمحمد، وابن مسلمة منهم، وفات الشيخ عبد الباسط ذكر محمد بن الحارث بن حديج السابق.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: حزمان بزاي معجمة أراد محمد بن حزمان كما ذكره في الشرح وكأنه تبع نسخة سقيمة من حاشية الشفاء للحلبي فإنه نقل ذلك عنها عن الإشارة للمغلطاي . والذي رأيته في عدة نسخ من الإشارة: محمد بن حرماز بحاء مهملة فراء وآخره زاي. وكذا رأيته بخط مغلطاي في الزهر والحافظ ابن حجر والعلامة العيني في شرحيهما على البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية