الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1583 [ ص: 228 ] ( 11 ) باب ما لا قطع فيه

                                                                                                                        1560 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ؛ أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده ، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم ، فسجن مروان العبد ، وأراد قطع يده ، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج [ ص: 229 ] فسأله عن ذلك ؟ فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا قطع في ثمر ولا كثر " والكثر الجمار ، فقال الرجل : فإن مروان بن الحكم أخذ غلاما لي وهو يريد قطعه ، وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمشي معه رافع إلى مروان بن الحكم ، فقال : أخذت غلاما لهذا ؟ فقال : نعم ، فقال : فما أنت صانع به ؟ قال : أردت قطع يده . فقال له رافع : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا قطع في ثمر ولا كثر " فأمر مروان بالعبد فأرسل .

                                                                                                                        [ ص: 230 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 230 ] 36161 - قال أبو عمر : قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث في " التمهيد " ، وذكرنا طرقه ، واختلاف الناقلين لها ؛ فمنها مرسل منقطع ، ومنها ما يستند من وجه ويتصل ، وهو حديث لا يطابق متنه ولفظه المعنى الذي خرج عليه ؛ لأن المسروق كان وديا ، والودي : الفصيل ، وهو النخلة الصغيرة ، كالنقل من شجر التين وغيرها ، قلعه الذي سرقه ، وغرسه في حائط سيده .

                                                                                                                        36162 - والثمر المعلق ؛ ما كان من الثمار في رءوس الأشجار ، لم يجذه ربه ولم يأويه صاحبه إلى جرين ، ولا بيدر ، ولا جودان ، ولا أندر ولا مربد ، وإنما قائم يتعلق من الأشجار والكثر .

                                                                                                                        36163 - قال أبو عبيد ، وغيره : هو جمار النخل في كلام الأنصار ، وهو يؤكل عندهم ، كما تؤكل الثمار ، والودي ليس كذلك .

                                                                                                                        36164 - واختلف الفقهاء فيمن سرق شجرة مقلوعة ، أو غير مقلوعة .

                                                                                                                        36165 - واختلفوا أيضا فيما يؤكل من الثمار رطبا ، وفيما يكون من الحيطان لأشجارها وثمارها ؛ فنورد من ذلك ما حضرنا ذكره ، وبالله عز وجل [ ص: 231 ] توفيقنا .

                                                                                                                        36166 - قال مالك : لا قطع في النخلة الصغيرة ، ولا الكبيرة إذا قلعها من موضعها .

                                                                                                                        36167 - واختلف أصحابه في الشجرة تقلع ، وتوضع في الأرض ؛ فقال بعضهم : وضعها في الأرض حرز لها ، إذا كان في موضع محروز . والله أعلم .

                                                                                                                        36168 - وقال بعضهم : لا قطع فيها على حال ، ولم يختلفوا فيمن قلع شيئا من البقول القائمة ، والشجر القائمة أنه لا قطع على سارقها ، كما لا قطع في الثمر المعلق حتى يأويه الجرين ، ولا في حريسة الجبل من الماشية كلها حتى يأويها المراح والجرين .

                                                                                                                        36169 - والمراح والجرين حرز على ما يسرق منه لمن سرق منه ، وفيه ما يوجب القطع .

                                                                                                                        36170 - وأما الشافعي ؛ فقال : الأصل أنه لا قطع على من سرق من غير حرز .

                                                                                                                        [ ص: 232 ] 36171 - والجرين حرز لما فيه ، والمراح حرز لما يحويه من الغنم .

                                                                                                                        36172 - قال : والذي تعرفه العامة بالحجاز أن الجرين حرز ، والحائط ليس بحرز .

                                                                                                                        36173 - قال : والحوائط ليست بحرز للنخل ، ولا للثمر ؛ لأن أكثرها مباح ، يدخل من جوانبها ، فمن سرق من حائط شيئا من الثمر المعلق لم يقطع ، وإذا أواه الجرين قطع سارقه إذا بلغت قيمته ربع دينار .

                                                                                                                        36174 - قال الشافعي : قال مالك في الأترجة التي قطع فيها عثمان - رضي الله عنه - كانت أترجة تؤكل .

                                                                                                                        36175 - قال الشافعي : وفي ذلك دليل على قطع من سرق الرطب من الطعام ، أو غيره إذا بلغت سرقته ربع دينار .

                                                                                                                        36176 - وأما أبو حنيفة وأصحابه ؛ فقالوا : لا قطع في سرقة ثمر من رءوس النخل ، ولا في حنطة إذا كانت سنبلا في سنبلتها ، ولا في ثمر ، ولا في كثر ، فإذا أحرز الثمر ، وجعل في حظيرة ، وأغلق باب ، كان على من سرق منه ما بلغ عشرة دراهم القطع .

                                                                                                                        [ ص: 233 ] 36177 - قالوا : ولا قطع على من سرق ما يفسد من الفاكهة ، واللحم ، والطعام الذي هو كذلك ، وإن غلت قيمته ، ولا قطع في شيء من الخشب إلا في الساج وحده ؛ فمن سرق منه ما يساوي عشرة دراهم قطع .

                                                                                                                        36178 - قال أبو يوسف في " الإملاء " : القثاء مثل الساج ، يقطع سارقه .

                                                                                                                        36179 - وهو قول الثوري فيما لا بقاء له من الفاكهة ، كقول أبي حنيفة ، ولهم في باب ما لا قطع فيه . أقوال ضعيفة جدا .

                                                                                                                        36180 - وإنما ذكرنا في هذا الباب ما يؤكل من الثمار ، وذكرنا من الخشب ؛ لما جرى في الحديث المذكور فيه منها .

                                                                                                                        36181 - ولم نتعرض لغير ذلك خشية الإطالة ؛ لأن كتابنا هذا ، كتاب " أصول الفقه " ، لم يوضع لفروعه ؛ لأنها لا تحصى إلا بمعرفة أصولها ، والله ولي العون والتوفيق ، لا شريك له .




                                                                                                                        الخدمات العلمية