الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        35546 - قال مالك ، في الذي يعترف على نفسه بالزنا ، ثم يرجع عن ذلك ويقول : لم أفعل ، وإنما كان ذلك مني على وجه كذا وكذا ، لشيء يذكره : إن ذلك يقبل منه ، ولا يقام عليه الحد ، وذلك أن الحد الذي هو لله ، لا يؤخذ إلا بأحد وجهين : إما ببينة عادلة تثبت على صاحبها ، وإما باعتراف يقيم عليه حتى يقام عليه الحد . فإن أقام على اعترافه ، أقيم عليه الحد .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35547 - قال أبو عمر : اتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، أنه يقبل رجوع المقر بالزنا ، وشرب الخمر ، وكذلك السرقة إذا أقر بها السارق من مال الرجل وحرزه ، فأكذبه ذلك الرجل ، ولم يدع السرقة ، ثم رجع السارق عن إقراره ، قبل إقراره عند مالك ، ومن ذكرنا معه .

                                                                                                                        [ ص: 97 ] 35548 - وقال ابن أبي ليلى ، وعثمان البتي : لا يقبل رجوعه في الزنا ، ولا في السرقة ، ولا في الخمر .

                                                                                                                        35549 - وقال الأوزاعي ، في رجل أقر على نفسه بالزنا أربع مرات ، وهو محصن ، ثم ندم ، وأنكر أن يكون أتى ذلك ، أنه يضرب حد الفرية على نفسه ، قال : وإن اعترف بسرقة ، أو شرب خمر ، أو قتل ، ثم أنكر ، عاقبه السلطان دون الحد .

                                                                                                                        35550 - قال أبو عمر : قال الأوزاعي : ضعيف ، لا يثبت على النظر .

                                                                                                                        35551 - واختلف قول مالك في المقر بالزنا ، أو بشرب الخمر ، يقام عليه الحد ، فيرجع تحت الجلد ، قبل أن يتم الحد ؛ فمرة قال : إذا أقيم عليه أكثر الحد ، أتم عليه ؛ لأن رجوعه ندم منه . ومرة قال : يقبل رجوعه أبدا ، ولا يضرب بعد رجوعه ، ويرفع عنه .

                                                                                                                        35552 - وهو قول ابن القاسم ، وجماعة الفقهاء .

                                                                                                                        35553 - قال أبو عمر : محال أن يقام على أحد حد بغير إقرار ، ولا بينة ، ولا فرق في قياس ، ولا نظر ، بين رجوعه قبل الحد ، وفي أوله ، وفي آخره ، ودماء المسلمين فإذا هو محرم ، فلا يستباح منه شيء إلا بيقين .

                                                                                                                        35554 - وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من حديث أبي هريرة وحديث جابر ، وحديث نعيم بن هزال .

                                                                                                                        35555 - وحديث أبي هريرة ، أن ماعزا لما رجم ، ومسته الحجارة ، هرب ، فاتبعوه ، فقال لهم : ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقتلوه رجما ، وذكروا ذلك لرسول الله [ ص: 98 ] صلى الله عليه وسلم فقال : " هلا تركتموه ؛ لعله يتوب ، فيتوب الله عليه " .

                                                                                                                        35556 - ففي هذا أوضح الدلائل على أن المقر بالحدود ، يقبل رجوعه إذا رجع ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعل هروبه ، وقوله : ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجوعا ، وقال : " فهلا تركتموه " .

                                                                                                                        35557 - وقد أجمع العلماء على أن الحد إذا وجب بالشهادة ، وأقيم بعضه ، ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد ، أو قبل أن يتم ، أنه لا يقام عليه ، ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود ، فكذلك الإقرار والرجوع . وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية