الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1558 1532 - مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ؛ أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف .

                                                                                                                        [ ص: 61 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 61 ] 35376 - قد مضى في هذا الباب من إثبات الرجم على من أحصن من الزناة الأحرار ما أغنى عن إعادته هنا .

                                                                                                                        35377 - واختلف الفقهاء في حد الإحصان الموجب للرجم :

                                                                                                                        35378 - فجملة مذهب مالك في ذلك ؛ أن يكون الزاني حرا ، مسلما ، بالغا ، عاقلا ، قد وطئ قبل أن يزني وطئا مباحا ، في عقد نكاح صحيح ، ثم زنى بعد ذلك ، فإذا [ ص: 62 ] كان هذا ، وجب الرجم .

                                                                                                                        35379 - ولا يثبت لكافر ، ولا لعبد عنده إحصان ، كما لا يثبت عند الجميع ؛ لصبي ، ولا مجنون ، إحصان .

                                                                                                                        35380 - وكذلك الوطء المحظور كالوطء في الحج ، وفي الصيام ، وفي الاعتكاف ، وفي الحيض لا يثبت به عنده إحصان .

                                                                                                                        35381 - والأمة ، والكافرة ، والصغيرة ، لا تحصن الحر المسلم ، عند مالك ؛ لأنه لا يجتمع فيهن شروط الإحصان .

                                                                                                                        35382 - وهذا كله مذهب مالك وأصحابه .

                                                                                                                        35383 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ؛ فحد الإحصان عندهم على ضربين .

                                                                                                                        35384 - ( أحدهما ) : إحصان يوجب الرجم ، يتعلق بست شروط : الحرية ، والبلوغ ، والعقل ، والإسلام ، والنكاح الصحيح ، والدخول ، ولا يراعون وطئا محظورا مع ذلك ، ولا مباحا .

                                                                                                                        35385 - ( والآخر ) : إحصان يتعلق به حد القذف ، له خمس خصال عندهم : الحرية ، والبلوغ ، والعقل ، والإسلام ، والعفة .

                                                                                                                        35386 - وروى أبو يوسف ، عن ابن أبي ليلى ، قال : إذا زنى اليهودي ، أو النصراني ، بعد ما أحصنا ، فعليهما الرجم .

                                                                                                                        35387 - قال أبو يوسف : وبه نأخذ .

                                                                                                                        35388 - فالإحصان عند هؤلاء له أربعة شروط : الحرية ، والبلوغ ، والعقل ، [ ص: 63 ] والوطء في النكاح الصحيح .

                                                                                                                        35389 - ونحو هذا قول الشافعي ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                        35390 - قال الشافعي : إذا دخل الرجل بامرأته ، وهما حران ، ووطئها ، فهذا إحصان ؛ مسلمين كانا ، أو كافرين يعني : إذا كانا في حين الزنا ، بالغين .

                                                                                                                        35391 - واختلف أصحابه ، على أربعة أوجه :

                                                                                                                        35392 - فقال بعضهم : إذ تزوج العبد ، أو الصبي ، ووطئ ، فذلك إحصان ، إذا زنى بعد البلوغ ، والحرية .

                                                                                                                        35393 - وقال بعضهم : لا يكون واحد منهم محصنا ، كما قال مالك .

                                                                                                                        35394 - وقال بعضهم : إذا تزوج الصبي الحر أحصن ، فإذا بلغ وزنى ، رجم ، والعبد لا يحصن حتى يعتق بالغا ، ويزني بعد .

                                                                                                                        35395 - وقال بعضهم : إذا تزوج الصبي ، لم يحصن ، وإذا تزوج العبد أحصن .

                                                                                                                        35396 - وقالوا جميعا : الوطء الفاسد لا يقع به إحصان .

                                                                                                                        35397 - وقد تقدم في كتاب النكاح من أقوال العلماء ، في الإحصان ، أكثر من هذا ، وتقصينا ذلك في " التمهيد " .

                                                                                                                        35398 - وأما قوله في هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه : " أو قامت عليه البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف " ، فأجمع العلماء ، أن البينة في الزنا أربعة شهداء ، [ ص: 64 ] رجال ، عدول ؛ يشهدون بالصريح من الزنا ، لا بالكناية ، وبالرؤية كذلك ، والمعاينة .

                                                                                                                        35399 - ولا يجوز عند الجميع في ذلك ، شهادة النساء ؛ فإذا شهد بذلك ، من وصفنا ، على من أحصن ، كما ذكرنا ، وجب الرجم ، على ما قال عمر - رضي الله عنه - .

                                                                                                                        35400 - وأما الاعتراف ؛ فهو الإقرار من البالغ ، العاقل بالزنا ، صراحا لا كناية ، فإذا ثبت على إقراره ، ولم ينزع عنه ، وكان محصنا ، وجب عليه الرجم ، وإن كان ‌‌بكرا ، جلد مائة . وهذا كله ، لا خلاف فيه بين العلماء .

                                                                                                                        35401 - وأما الحمل الظاهر للمرأة ولا زوج لها يعلم ، فقد اختلف العلماء في ذلك :

                                                                                                                        35402 - فقالت طائفة : الحبل والاعتراف والبينة سواء ، فيما يوجب الحد في الزنا ، على حديث عمر هذا ، في قوله : إذا قامت عليه البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف ، فسواء في ذلك فيما يوجب الرجم ، على من أحصن ، فوجبت التسوية بذلك .

                                                                                                                        [ ص: 65 ] 35403 - وممن قال ذلك ؛ مالك بن أنس ، فيما ذكر عنه ابن عبد الحكم ، وغيره ، وذكره في " موطئه " قال : إذا وجدت المرأة حاملا ، فقالت : تزوجت . أو استكرهت ، لم يقبل ذلك منها ، إلا بالبينة على ما ذكرت ، إلا أن تكون جاءت تستغيث ، وهي تدمى ، أو نحو ذلك من فضيحة نفسها ، فإن لم يكن ذلك ، أقيم عليها الحد .

                                                                                                                        35404 - وقال ابن القاسم : إذا كانت طارئة غريبة ، فلا حد عليها .

                                                                                                                        35405 - وهو قول عثمان البتي .

                                                                                                                        35406 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما : لا حد عليها إلا أن تقر بالزنا ، أو يقوم عليها بذلك بينة .

                                                                                                                        35407 - ولم يفرقوا بين طارئة ، وغير طارئة ؛ لأن الحمل دون إقرار ، ولا بينة ، ممكن أن تكون المرأة فيما ادعته من النكاح ، أو الاستكراه ، صادقة ، والحدود لا تقام إلا باليقين ، بل تدرأ بالشبهات .

                                                                                                                        35408 - فإن احتج محتج بحديث عمر المذكور ، وتسويته فيه بين البينة والإقرار والحبل ، قيل له : قد روي عنه خلاف ذلك من رواية الثقات أيضا .

                                                                                                                        35409 - وروى شعبة بن الحجاج ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن نزال بن صبرة ، قال : إني لمع عمر - رضي الله عنه - بمنى ، إذا بامرأة ضخمة حبلى ، قد كاد الناس أن يقتلوها من الزحام ، وهي تبكي فقال لها عمر : ما يبكيك ، إن المرأة ربما استكرهت ، فقالت إني امرأة ثقيلة الرأس ، وكان الله - عز وجل - يرزقني من الليل ما شاء أن يرزقني ، فصليت ونمت ، فوالله ما استيقظت إلا ورجل قد ركبني ، ومضى ، ولا [ ص: 66 ] أدري أي خلق الله هو ؟ . فقال عمر : لو قتلت هذه ، خفت على من بين الأخشبين النار ، ثم كتب إلى الأمراء : ألا لا تعجلوا أحدا إلا بإذنه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية