الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1556 1530 - مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ؛ أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ! اقض بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر ، وهو أفقههما : أجل ، يا رسول الله ! فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم قال : " تكلم " فقال : إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، فأخبرني أن على ابني الرجم ، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني : أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأخبروني أنما الرجم على امرأته ، فقال رسول الله : " أما والذي نفسي بيده [ ص: 42 ] لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فرد عليك " ، وجلد ابنه مائة ، وغربه عاما ، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر ، فإن اعترفت ، رجمها ، فاعترفت ، فرجمها .

                                                                                                                        [ ص: 43 ] 35263 - قال مالك : والعسيف الأجير .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35264 - قال أبو عمر : قد ذكرنا الاختلاف على مالك ، والاختلاف على ابن شهاب ، في إسناده حديث هذا الباب ، وذكرنا من جمع فيه مع أبي هريرة ، زيد بن [ ص: 44 ] خالد ، ومن رواه فجعله بهذا الإسناد ، عن زيد بن خالد خاصة ، ومن جعله عن أبي هريرة خاصة ، ومن اختصر وجعله عن زيد .

                                                                                                                        35265 - وأما من جعله عن أبي هريرة ، فكلهم أتى به بكماله .

                                                                                                                        35266 - وذكرنا أن ابن عيينة ذكر فيه مع أبي هريرة وزيد بن خالد شبلا ، فأخطأ فيه ؛ لأن شبلا إنما ذكره ابن شهاب ، في حديث الأمة إذا زنت ، ولم تحصن .

                                                                                                                        35267 - وقد أوضحنا ذلك كله ، عن الرواة ، في " التمهيد " ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        35268 - قال أبو عمر : لم يذكر في هذا الحديث ، إقرار الزاني بالزنا ، وهو قول عقله الراوي ؛ إذ عول في تركه ، على علم العامة فضلا عن الخاصة ، أنه لا يؤخذ أحد بإقرار أبيه عليه ، ولا إقرار غيره ، والذي تشهد له الأصول أن الابن كان حاضرا ، فصدق أباه فيما قال عليه ، ونسب إليه ، ولولا ذلك ، ما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا بقول أبيه ؛ لقول الله عز وجل : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) [ الأنعام : 164 ] .

                                                                                                                        35269 - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي زمعة ، في ابنه : " إنك لا تجني عليه ، ولا يجني عليك " .

                                                                                                                        [ ص: 45 ] 35270 - وفي هذا الحديث دروب من العلم :

                                                                                                                        35271 - منها : أن أولى الناس بالقضاء بينهم ، الخليفة ؛ إذا كان عالما بوجوه القضاء .

                                                                                                                        35272 - ومنها أن المدعي ، أولى بالقول ، وأحق أن يتقدم بالكلام .

                                                                                                                        35273 - ومنها ، أن الباطل من القضاء مردود أبدا ، وأن ما خالف السنة باطل ، لا ينفذ ، ولا يمضي .

                                                                                                                        35274 - ومنها ، أن ما قبضه الذي يقضي به ، وكان القضاء خطأ ، مخالفا للسنة المجتمع عليها ، لا يدخله قبضه له في ملكه ، ولا يصح ذلك له .

                                                                                                                        35275 - وفيه : أن العالم يفتي في مصر فيه من هو أعلم منها .

                                                                                                                        35276 - ألا ترى أن الصحابة ، كانوا يفتون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        35277 - وروي عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر ، أنه سئل عن من كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبو بكر ، وعمر ولا أعلم غيرهما .

                                                                                                                        35278 - وقال القاسم بن محمد : كان أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، يفتون ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        35279 - روى موسى بن ميسرة ، عن محمد بن سهل أبي حثمة ، عن أبيه قال : كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين : عمر ، وعثمان ، وعلي ، وثلاثة من الأنصار ؛ أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت . [ ص: 46 ] 35280 - وروى الفضيل بن أبي عبد الله ، عن عبد الله بن دينار الأسلمي ، عن أبيه ، قال : كان عبد الرحمن بن عوف ، ممن يفتي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        35281 - وذكر الواقدي ، قال : حدثني أيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن جده ، عن كعب بن مالك ، قال : كان معاذ بن جبل ، يفتي في المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر .

                                                                                                                        35282 - وكان عمر بن الخطاب يقول : إن خرج معاذ إلى الشام ، لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها ، فيما كان يفتيهم ، ولقد كنت كلمت أبا بكر أن يحبسه ؛ لحاجة الناس إليه ، فأبى علي ، وقال : رجل أراد وجها ، يعني الشهادة ، لا أحبسه . فقلت : إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه ، في عظيم عنائه عن أهل مصره .

                                                                                                                        35283 - قال الواقدي : قال : وحدثني موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه قال : خطب عمر بالجابية ، فقال : من أراد أن يسأل عن الفقه ، فليأت معاذ بن جبل .

                                                                                                                        35284 - وأما قوله في هذا الكتاب : لأقضين بينكما بكتاب الله ، فلأهل العلم في ذلك قولان :

                                                                                                                        35285 - ( أحدهما ) : أن الرجم في كتاب الله ، على مذهب من قال : إن من القرآن ما نسخ خطه ، وثبت حكمه ، وقد أجمعوا أن من القرآن ما نسخ حكمه ، وثبت [ ص: 47 ] خطه ، وهذا في القياس مثله .

                                                                                                                        35286 - وقد ذكرنا هذا المعنى ، في كتاب الصلاة ، عند قوله : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) [ البقرة : 238 ] وصلاة العصر ، ( وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] .

                                                                                                                        35287 - ومن ذهب هذا المذهب ، احتج بقول عمرو : الرجم في كتاب الله حق على من زنى ؛ من الرجال ، والنساء ، إذا أحصن .

                                                                                                                        24288 - وقوله : لولا أن يقال : إن عمر زاد في كتاب الله ؛ لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا ، فارجموهما ألبتة ، فإنا قد قرأناها .

                                                                                                                        35289 - وسنذكر ما للعلماء في قول عمر هذا ، من التأويل ، في موضوعه من هذا الباب ، إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        35290 - ومن حجته أيضا ؛ ظاهر هذا الحديث ، قوله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لأقضين بكتاب الله " . ثم قال لأنيس : " لئن اعترفت امرأة هذا ، فارجمها " ، فرجمها .

                                                                                                                        35291 - والقول الآخر أن معنى قوله عليه السلام : " لأقضين بينكما بكتاب الله ، ولأحكمن بينكما بحكم الله ، ولأقضين بينكما بقضاء الله " .

                                                                                                                        35292 - وهذا جائز في اللغة .

                                                                                                                        قال الله عز وجل : ( كتاب الله عليكم ) [ النساء : 24 ] أي : حكمه فيكم ، وقضاؤه عليكم .

                                                                                                                        35293 - على أن كل ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله - عز وجل - وقد [ ص: 48 ] أوضحنا هذا المعنى في " التمهيد " .

                                                                                                                        35294 - ومنه قول علي - رضي الله عنه - في شراحة الهمذانية : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        35295 - وقد تطلق على السنة : التلاوة بظاهر قول الله تعالى : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) [ الأحزاب : 34 ] قالوا : القرآن والسنة .

                                                                                                                        35296 - وفيه أن الزاني ، إذا لم يحصن ، حده الجلد دون الرجم ، وهذا ما لا خلاف بين أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        35297 - قال الله عز وجل : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] .

                                                                                                                        35298 - وأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب .

                                                                                                                        35299 - وأجمع الجمهور من فقهاء المسلمين ، أهل الفقه والأثر ، من لدن الصحابة ، إلى يومنا هذا ، أن المحصن من الزناة ، حده الرجم ، واختلفوا هل عليه مع ذلك جلد ، أم لا ؟ .

                                                                                                                        35300 - فقال أكثرهم : لا جلد على المحصن ، إنما عليه الرجم فقط .

                                                                                                                        35301 - ومن حجتهم في هذا الحديث : " فإن اعترفت ، فارجمها " . ولم يقل : اجلدها ، ثم ارجمها .

                                                                                                                        [ ص: 49 ] 35302 - وممن قال ذلك : مالك وأبو حنيفة ، والشافعي وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن صالح ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، والطبري ، كل هؤلاء يقول : لا يجتمع جلد ورجم .

                                                                                                                        35303 - وقال الحسن البصري ، وإسحاق بن راهويه ، وداود بن علي : الزاني المحصن ، يجلد ، ثم يرجم .

                                                                                                                        35304 - وحجتهم عموم الآية في الزناة ، في قوله تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] ، فعم الزناة ، ولم يخص محصنا من غير محصن .

                                                                                                                        35305 - وحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " خذوا عني ، لقد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة ، ونفي عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ، والرجم بالحجارة " .

                                                                                                                        [ ص: 50 ] 35306 - وحديث علي - رضي الله عنه - في رجم شراحة الهمذانية ، بعد جلده لها .

                                                                                                                        35307 - وروى أبو حصين ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وعلقمة بن مرثد ، عن الشعبي ، بمعنى واحد ، قال أتي علي بزانية ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : الرجم رجمان : رجم سر ، ورجم علانية ، فأما رجم العلانية ؛ فالشهود ثم الإمام ثم الناس ، وأما رجم السر فالاعتراف ؛ فالإمام ، ثم الناس .

                                                                                                                        35308 - وحجة الجمهور ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا الأسلمي ، ورجم اليهوديين ، ورجم امرأة من جهينة ، وامرأة من عامر ، ولم يجلد واحدا منهم ، وقد ذكرنا الآثار بذلك في " التمهيد " ، فدل ذلك على أن الآية قصد بها من لم يحصن من الزناة .

                                                                                                                        35309 - ورجم أبو بكر ، وعمر - رضي الله عنهما - ولم يجلدا .

                                                                                                                        35310 - ومن أوضح شيء في هذا المعنى وأصحه ، حديث ابن شهاب في هذا الباب ؛ وفيه أنه جلد البكر ، وغربه عاما ، ورجم المرأة ، ولو جلد لنقل ذلك كما نقل أنه رجمها ، وكانت ثيبا .

                                                                                                                        35311 - وهذا كله يدل على أن [ حديث ] عبادة منسوخ ؛ لأنه كان في حين [ ص: 51 ] نزول الآية في الزناة وذلك أن الزناة ، كانت عقوبتهم إذا شهد عليهم أربعة من العدول ، أن يمسكوا في البيوت إلى الموت ، أو يجعل الله لهن سبيلا ، فلما نزلت آية الجلد ، التي في سورة النور ، قام صلى الله عليه وسلم ، فقال : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا " ( الحديث ) كما ذكرناه من حديث عبادة ، فكان هذا في أول الأمر ، ثم رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ولم يجلد مع الرجم ، فعلمنا أن هذا حكم أحدثه الله تعالى ، نسخ به ما قبله .

                                                                                                                        35312 - ومثل هذا كثير في أحكامه عز وجل ، وأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليبتلي عباده ، وإنما يؤخذ بالأحدث ، فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        35313 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، أنه كان ينكر الجلد مع الرجم ويقول : رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجلد .

                                                                                                                        35314 - وعن الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال ليس على المرجوم جلد ، بلغنا أن عمر رجم ، ولم يجلد .

                                                                                                                        35315 - قال أبو عمر : قد ذكرنا عن عمر - رضي الله عنه - أنه رجم ، ولم يجلد ، آثارا كثيرة في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 52 ] 35316 - وفي هذه المسألة قول ثالث ؛ وهو أن الثيب من الزناة ، إن كان شابا ، رجم ، وإن كان شيخا ، جلد ورجم .

                                                                                                                        35317 - وقاله مسروق ، وقالت به فرقة من أهل الحديث .

                                                                                                                        35318 - وهو قول ضعيف ، لا أصل له ، وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عن مسروق في " التمهيد " .

                                                                                                                        35319 - فهذا ما للجماعة ، أهل السنة من الأقاويل ، في هذا الباب .

                                                                                                                        35320 - وأما أهل البدع والخوارج منهم ، ومن جرى مجراهم من المعتزلة ، فإنهم لا يرون الرجم على زان محصن ، ولا غير محصن ، ولا يرون على الزناة إلا الجلد ، وليس عند أحد من أهل العلم ، ممن يعرج على قولهم ، ولا يعدون خلافا .

                                                                                                                        35321 - وروى حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وهشيم ، والمبارك بن فضالة وأشعث ، كلهم عن علي بن زيد ، وحماد بن سلمة ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : أيها الناس ، إن الرجم [ ص: 53 ] حق ، فلا تخدعن عنه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وكذلك أبو بكر ، ورجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، وبالدجال ، وبطلوع الشمس من مغربها ، وبعذاب القبر ، وبالشفاعة ، وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا .

                                                                                                                        35322 - قال أبو عمر : الخوارج ، والمعتزلة ، يكذبون بهذا كله ، عصمنا الله من الضلال برحمته .

                                                                                                                        35323 - وأما قوله : وجلد ابنه مائة ، وغربه عاما ، فلا خلاف بين علماء المسلمين أن ابنه كان بكرا ، وأن الجلد حد البكر ، مائة جلدة ، واختلفوا في التغريب .

                                                                                                                        [ ص: 54 ] 35324 - فقال مالك : ينفى الرجل ، ولا تنفى المرأة ، ولا العبد ، ومن نفي ، حبس في الموضع الذي نفي إليه .

                                                                                                                        35325 - وقال الأوزاعي : لا تنفى المرأة ، وينفى الرجل .

                                                                                                                        35326 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا نفي على زان ، وإنما عليه الحد ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا .

                                                                                                                        35327 - وقال مالك ، والشافعي وأصحابه ، والحسن بن حي : ينفى الزاني ، إذا جلد الحد ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا .

                                                                                                                        35328 - واختلف قول الشافعي ، في نفي العبيد ؛

                                                                                                                        35329 - فقال مرة : أستخير الله في نفي العبيد .

                                                                                                                        35330 - وقال مرة : ينفى العبد نصف سنة .

                                                                                                                        35331 - وقال مرة أخرى : سنة إلى غير بلده .

                                                                                                                        35332 - وبه قال الطبري .

                                                                                                                        35333 - قال أبو عمر : من حجة من غرب الزناة ، مع حديثنا هذا وقوله فيه : وجلد ابنه مائة ، وغربه عاما : حديث عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قاله : " البكر [ ص: 55 ] بالبكر ، جلد مائة ، وتغريب عام " . لم يخص عبدا من حر .

                                                                                                                        35334 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني أحمد بن زهير ، وبكر بن حماد ، قال أحمد : حدثني أبي ، وقال بكر : حدثني مسدد ، قال حدثني يحيى القطان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن بن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ؛ الثيب جلد مائة ، ورجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ، ثم نفي سنة " .

                                                                                                                        35335 - وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ضرب ، وغرب ، وأن أبا بكر ضرب وغرب ، وأن عمر ضرب وغرب ، وقد ذكرت إسناده في " التمهيد " .

                                                                                                                        35336 - وحجة من لم ير النفي على العبيد ، حديث أبي هريرة ، في الأمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكر فيه الحد ، دون النفي .

                                                                                                                        35337 - ومن رأى نفي العبيد ، زعم أن حديث الأمة ، معناه التأديب لا الحد .

                                                                                                                        38338 - وحجة من لم ير نفي النساء ، ما يخشى عليهن من الفتنة .

                                                                                                                        35339 - وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه لم ير نفي النساء .

                                                                                                                        35340 - ومن حجة من لم ير النفي على الزاني ، ذكرا ولا أنثى ، حرا ولا عبدا ، [ ص: 56 ] أن الله - عز وجل - ذكر الجلد ، ولم يذكر نفيا .

                                                                                                                        35341 - وروي ذلك عن عمر - رضي الله عنه - وغيره .

                                                                                                                        35342 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، قال : غرب عمر بن الخطاب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر ، إلى خيبر ، فلحق بهن ، قال : وقال عمر : لا أغرب مسلما بعدها أبدا .

                                                                                                                        35343 - قال : ولو كان النفي حدا ما تركه عمر .

                                                                                                                        35344 - قال أبو عمر : يحتمل أن يكون عمر قال ذلك في حد الخمر ؛ لأنه مأخوذ اجتهادا ، وقد صح عنه أنه نفى في الزنا من طرق شتى .

                                                                                                                        35345 - وروى عبد الرزاق ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قد قال عبد الله بن مسعود ، في البكر يزني بالبكر : يجلدان مائة ، وينفيان سنة .

                                                                                                                        35346 - قال : فقال علي : حسبهما من الفتنة أن ينفيا .

                                                                                                                        35347 - قال أبو عمر : قد ثبت عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي - رضي الله عنهم - أنهم غربوا ونفوا في الزنا ، بأسانيد أحسن من التي ذكرها الكوفيون

                                                                                                                        35348 - منها ما رواه عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب ، وأن أبا بكر ضرب ، وغرب ، وأن عمر ضرب وغرب .

                                                                                                                        [ ص: 57 ] 35349 - إلا أنه قد اختلف في إسناد هذا الحديث ، فاضطرب في رفعه واتصاله .

                                                                                                                        35350 - وروى أيوب ، وعبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر نفى إلى فدك .

                                                                                                                        35351 - وعن الثوري ، عن أبي إسحاق أن عليا ، نفى من الكوفة إلى البصرة .

                                                                                                                        35352 - وقال معمر ، وابن جريج : سئل ابن شهاب : إلى كم ينفى الزاني ؟ . فقال : عمر نفاه من المدينة إلى البصرة ، ومن المدينة إلى خيبر .

                                                                                                                        35353 - وقال ابن جريج : قلت لعطاء : نفى من مكة إلى الطائف ؟ قال : حسبه ذلك .

                                                                                                                        35354 - وفي الحديث أيضا قوله : إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته . وهذا قذف منه للمرأة ، إلا أنها لما اعترفت بالزنا سقط حكم قذفها .

                                                                                                                        35355 - وقد اختلف قول العلماء فيمن أقر بالزنا بامرأة بعينها ، وجحدت : [ ص: 58 ] 35356 - فقال مالك : يقام عليه حد الزنا ، وإن طلبت حد القذف ، أقيم عليه أيضا .

                                                                                                                        35357 - قال : وكذلك لو قالت : زنى بي فلان . وجحد ، حدت للقذف ، ثم للزنى .

                                                                                                                        35358 - وبهذا قال الطبري .

                                                                                                                        35359 - وقال أبو حنيفة : لا حد عليه للزنا ، وعليه حد القذف ، ولها مثل ذلك ، إن قالت مثل ذلك ؛ لأنه لا يجتمع عنده الحدان .

                                                                                                                        35360 - وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي : لا يحد من أقر منهما للزنا فقط ؛ لأنا قد أحطنا علما أنه لا يجب عليه الحدان جميعا ؛ لأنه إن كان زانيا ، فلا حد على قاذفه ، فإذا أقيم عليه حد الزنا ، لم يقم عليه حد القذف .

                                                                                                                        35361 - وقال الأوزاعي : يحد للقذف ، ولا يحد للزنا .

                                                                                                                        35362 - وقال ابن أبي ليلى : إذا أقر هو بالزنا ، وجحدت هي ، جلد ، وإن كان محصنا ، لم يرجم .

                                                                                                                        35363 - وفي هذا الحديث أيضا أن للإمام أن يسأل المقذوف ، فإن اعترف ، أقام عليه الواجب ، وإن لم يعترف ، وطلب القاذف ، أخذ له بحده .

                                                                                                                        35365 - وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء :

                                                                                                                        35365 - فقال فيه مالك : لا يحد الإمام القاذف ، حتى يطالبه المقذوف ، إلا أن يكون الإمام سمعه ، فيحده إن كان معه شهود غيره عدول .

                                                                                                                        35366 - قال : ولو أن الإمام ، شهد عنده شهود عدول ، على قاذف لم يقم الحد [ ص: 59 ] حتى يرسل إلى المقذوف ، وينظر ما يقول ، لعله يريد سترا على نفسه .

                                                                                                                        35367 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والأوزاعي ، والشافعي : لا يحد القاذف إلا بمطالبة المقذوف .

                                                                                                                        35368 - وأما قوله : " واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " . فإنه أقامه مقام نفسه في ذلك ، وسبيله فيما أمره به سبيل الوكيل ، ينفذ لما أمره به موكله .

                                                                                                                        35369 - وفي هذا الحديث معان قد ذكرتها في " التمهيد " وذكرت وجه كل معنى منها ، وموضع استنباطه من الحديث ، لم أر لذكرها هاهنا وجها ؛ لأن كتابي هاهنا ، لم يكن الغرض فيه والمقصد إلا إيراد ما اختلف فيه العلماء من المعاني التي رسمها الموطأ .

                                                                                                                        35370 - وأما ‌‌قول مالك : العسيف الأجير ، فهو كما قال ، عند أهل العلم باللغة ، في معنى هذا الحديث ، وقد يكون العسيف العبد ، ويكون السائل .

                                                                                                                        35371 - قال المرار الجلي ، يصف كلبا :

                                                                                                                        ألف الناس فما ينبحهم من عسيف يبتغي الخير وحر .

                                                                                                                        [ ص: 60 ] 35372 - يعني : من عبد ، وحر .

                                                                                                                        35373 - وقال أبو عمرو الشيباني ، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه نهى عن قتل العسفاء ، والوصفاء ، في سرية بعثها .

                                                                                                                        قال : العسفاء : الأجراء .

                                                                                                                        35374 - هو كما قال مالك ، رحمه الله .

                                                                                                                        35375 - وقال أبو عبيد : وقد يكون العسيف الأسيف ، وهو الحزين .




                                                                                                                        الخدمات العلمية