الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5349 سورة الفتح : باب في قوله تعالى : « إذا جاء نصر الله والفتح

                                                                                                                              وهو في النووي ، في : (كتاب التفسير ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 160 ، 161 ج 18 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              قال الإمام مسلم : (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وهارون بن عبد الله ، وعبد بن حميد -قال عبد : أخبرنا . وقال الآخران : حدثنا- جعفر بن عون ، أخبرنا أبو عميس ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ؛ قال : قال لي ابن عباس : تعلم -وقال هارون : تدري- آخر سورة نزلت من القرآن : نزلت جميعا ؟

                                                                                                                              قلت : نعم . «إذا جاء نصر الله والفتح » . قال : صدقت .


                                                                                                                              وفي رواية «ابن أبي شيبة » : تعلم : أي سورة ؟ ولم يقل : آخر ) .

                                                                                                                              [ ص: 836 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 836 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ؛ قال : قال لي ابن عباس ، رضي الله عنهما ؛ تعلم - وقال هارون تدري - آخر سورة من القرآن ، نزلت جميعا ؟ قلت : نعم . «إذا جاء نصر الله والفتح قال : صدقت .

                                                                                                                              وفي رواية «ابن أبي شيبة » : تعلم أي سورة ؟ ولم يقل : آخر ) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : قال : «آخر سورة » .

                                                                                                                              لم يشرح النووي : هذا الحديث ، بشيء .

                                                                                                                              وفي (فتح البيان ) : قال ابن عباس : أنزل بالمدينة .

                                                                                                                              وعن « ابن عمر » : نزلت على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : في أوسط أيام التشريق بمنى - . وهو في حجة الوداع - حتى ختمها ، فعرف رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : أنها الوداع .

                                                                                                                              [ ص: 837 ] وعن « ابن عباس » أيضا : نزلت ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : «نعيت إلى نفسي » وفي لفظ : «قرب إلي أجلي » .

                                                                                                                              وفي لفظ : لما نزلت ، نعيت لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : نفسه - حين أنزلت - فأخذ في أشد ما كان - قط - اجتهادا في أمر الآخرة » .

                                                                                                                              وعن أم حبيبة رضي الله عنها ، قالت : لما أنزل ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : «إن الله لم يبعث نبيا إلا عمر في أمته : شطر ما عمر النبي الماضي قبله ؛ فإن عيسى بن مريم : كان أربعين سنة ، في بني إسرائيل . وهذه لي أربعون سنة ، [ ص: 838 ] وأنا الميت في هذه السنة » . فبكت فاطمة رضي الله عنها ، فقال : «أنت أول أهلي بي لحوقا : فتبسمت » . أخرجه : ابن أبي حاتم ، وابن مردويه .

                                                                                                                              وعن ابن عباس ؛ قال : لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح : دعا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة ، وقال : «إنه قد نعيت إلي نفسي » ، فبكت ، ثم ضحكت . وقالت : أخبرني أنه نعيت إليه نفسه ؛ فبكيت . فقال : «اصبري ، فإنك أول أهلي لحاقا بي » : فضحكت ، أخرجه البيهقي .

                                                                                                                              وجاء أن هذه السورة : «تعدل ربع القرآن » ، وهي آخر سورة نزلت جميعا . انتهى كلام (فتح البيان ) .

                                                                                                                              قلت : وهي آخر ما تم عليه تلخيص الحافظ - الإمام أبي محمد : [ ص: 839 ] «عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله : محيي السنة ، زكي الدين «المنذري » ، رحمه الله تعالى وإيانا جميعا - لصحيح مسلم .

                                                                                                                              قال رضي الله عنه : (هذا آخر ما اختصرته ، من صحيح الإمام أبي الحسين : «مسلم بن الحجاج » رضي الله عنه ، والرغبة إلى الله سبحانه : أن ينفعني به ، وحافظه ، وكاتبه ، والناظر فيه : بكرمه ) .

                                                                                                                              والمرجو «من سعة رحمة الله تعالى » : استجابة هذا الدعاء .

                                                                                                                              وقد كتب هذا العبد الفاني هذا التلخيص الشريف ، وكتب عليه : هذا الشرح المختصر اللطيف ، ونظر فيه راجيا للنفع العاجل والآجل ، داعيا لأخلافه : إلى العمل بما فيهما ، ولمن يصلح لذلك (من العالم والعامل ) والله الموفق ، وهو المستعان .

                                                                                                                              (واتفق نجاز إملائه على الجماعة ) من أهل السنة المطهرة ، الذين أخلصهم الله «بخالصة ذكرى الدار » (نفعهم الله تعالى ) بإملائه ، وحفظه ، وكتابته ، والنظر فيه : بكرمه ، ومنه ولطفه ، ورحمته . (ونفع بهم ) كثيرا من الناس الصالحين ، العالمين العاملين : بالكتاب العزيز ، [ ص: 840 ] والسنة المطهرة ، التي ليلها كنهارها ، (وبلغهم من خيرات الدنيا والآخرة : منتهى طلبهم ! ) .

                                                                                                                              وهم القائلون : «ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار » .

                                                                                                                              (في يوم الاثنين ) . وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وتوفي فيه (الثامن والعشرين : من شعبان المكرم ) وكرامته : كون «ليلة مباركة ، فيها ينزل كل أمر حكيم (سنة تسع وثلاثين وستمائة من سني الهجرة القدسية ، على صاحبها الصلاة والتحية .

                                                                                                                              «وشرحنا هذا » : اتفق نجازه - على يدي الضعيفة ، قواها الله تعالى فيما يحب ويرضى - في يوم السبت المبارك فيه : على لسان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في قوله : «بارك الله في يوم السبت والخميس » ) السادس عشر من ذي القعدة ، من سنة : «تسع وتسعين ، ومائتين ، وألف » الهجرية ، وقت الإشراق في أول النهار .

                                                                                                                              (بدار الحديث الكاملية ) .

                                                                                                                              [ ص: 841 ] «وشرحنا هذا » : بدار السيدة نيرة الهند : «نواب شاهجان بيكم » أصلح الله شأنها ، وبكل نعمة وعافية وحسن عافية ، - عليها وعلينا - : أنعم . الواقعة في البلدة المحمية «بهوپال » ، التي هي من ثغور مملكة «مالوة الدكن » . وهذه السيدة هي «أهل بيتي ، وكرشي ، وعيبتي ، وسكني - في حضرتي وغيبتي - » .

                                                                                                                              (عمرها الله تعالى : بذكره . وتغمد واقفها : برحمته ورضوانه ، وأسكنه غرف جنانه ) .

                                                                                                                              وهكذا «بارك ، وتفضل ، وتلطف : في أعمال السيدة وبعلها » وتغمدهما : بسابغ كرمه ، وتمام رضائه ، وبوأهما بعد الممات - مع حسن الختام - في دار السلام : بالعافية الكاملة ، وكامل السلام . (إنه سميع الدعاء ) ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ، ولا في السماء ، (فعال لما يشاء ) : من الرضوان والغفران ، على عباده أهل الآثام والعصيان . وما ذلك عليه بعزيز . (والحمد لله وحده ) ؛ لأن مرجع [ ص: 842 ] المحامد كلها - من أي شيء كان ، ولأيه كان - : إليه سبحانه وتعالى .

                                                                                                                              وفيه : إشارة إلى أن آخر دعوانا : «أن الحمد لله رب العالمين . (وصلواته على سيدنا محمد : نبيه ) ورسوله (وآله وصحبه وسلم ) .

                                                                                                                              فيه : امتثال لقوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .

                                                                                                                              قال : «في الأم » المنقول عنه : (وافق الفراغ منه ، في يوم السبت «الخامس والعشرين » من ربيع الأول ، سنة ثمان وسبعين وستمائة ) .

                                                                                                                              فيه : أن هذا الفراغ من كتابته ، كان بعد تسع وثلاثين سنة : من زمن جمع الأصل الذي ألفه الحافظ المتقن الضابط ، جمال الحفاظ وعمدة المحدثين : «المنذري ، رحمه الله » . وذلك يدل : على صحة النقل ، وقرب عهده «بالأم » المنسوخة منها . وهو كذلك . وقد أنعم الله بهذه النسخة الشريفة علي ،- عند أخذي في تحرير هذا الشرح - .

                                                                                                                              (كتبه : العبد الفقير ، المعترف بالتقصير ) ، في الذي يجب عليه [ ص: 843 ] «من الإتيان والترك » : (الراجي من ربه : غفران ذنبه ) ، لأنه ليس عبد من عباد الله تعالى - غير أنبيائه ورسله - : من لم يلم بذنب . ومن ألم فقد احتاج إلى مغفرته ، ولا يغفر الذنوب إلا هو . فاستحسن : رجاء الغفران ، وسؤال الرضوان من كل واحد منهم ؛ من الله غافر الذنب ، وقابل التوب : ( «خضر بن عيسى بن رضوان » ، المعروف بابن الخيمي . غفر الله له ، ولوالديه ، ولجميع المسلمين ) ، خص في ذلك وعم .

                                                                                                                              (وصلى الله على محمد وآله وسلم ) .

                                                                                                                              وأما أنا ، فهو العبد الضعيف ، المكلف الحنيف ، أبو الطيب «صديق بن حسن بن علي » الحسيني ، البخاري ، القنوجي . ختم الله له بالحسنى ، وأذاقه حلاوة رضوانه الأسنى .

                                                                                                                              وهذا العبد له مؤلفات ، فيما يتعلق بالعلوم المتداولة وغيرها ؛ وأحسنها : تفسير كتاب الله العزيز ، المسمى (بفتح البيان ، في مقاصد القرآن ) وهو اسم له ، تاريخي .

                                                                                                                              وكتاب (عون الباري ، لحل أدلة البخاري ) . وهو شرح «تلخيص الجامع الصحيح » للإمام محمد بن إسماعيل ، رضي الله عنه . وهذا أيضا : اسم له ، فيه تاريخ زمن تأليفه ألفته أولا . «لنفع نفسي » . ثم [ ص: 844 ] ثانيا : «لإفادة ولدي الصالح » : أبي الخير نور الحسن الطيب ، ثم لكل من يصلح للاستفادة منه : حبا للسنة المطهرة ، وكرامة لها .

                                                                                                                              وهذا الشرح المسمى : (بالسراج الوهاج ) ، وهو أيضا علم له : تاريخي . ألفته : لأدخل في خدم السنة ، وشارحي صحيح مسلم : لأتيح لي : «خدمة القرآن والصحيحين » جميعا ، وينتفع به ولدي الصغير «أبو النصر علي حسن الطاهر » ، ثم الناس جميعا .

                                                                                                                              والله أسأل : أن يجعل هذه المؤلفات ، خالصة لوجهه الكريم . ويسامحني فيها ، إن زل بشيء القلم ، أو دحضت به القدم . ويجعلها من أسباب الغفران ، ومواد الرضوان ، ولا يحرمني من واسع رحمته : التي وسعت كل شيء : من نبات ، وجماد ، وحيوان . وإني وإن كنت لست أهلا للمغفرة والعفو والصفح - لذنوب أتيتها سرا وعلانية لكنه سبحانه أهل لكل ذلك . وهو القائل في كتابه المبين : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم والله تعالى لا يخلف الميعاد . ومن أصدق من الله قيلا ؟ وأنا القائل : اللهم ! أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي : فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .

                                                                                                                              وأيضا ، القائل : اللهم ! اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن [ ص: 845 ] عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت : فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا ! وتعاليت ، نستغفرك ونتوب إليك . وصلى الله على النبي ، وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . وآخر دعوانا : «أن الحمد لله رب العالمين » .

                                                                                                                              تم بحمد الله وتوفيقه : تحقيق وتصحيح هذا الكتاب في شهر ربيع الأول سنة 1417هـ بدولة قطر ، وبه تم كتاب السراج الوهاج لمؤلفه الشيخ العلامة أبي الطيب صديق بن حسن خان رحمه الله في أحد عشر مجلدا .




                                                                                                                              الخدمات العلمية