الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب قسمة الخمس قال الله تعالى : فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل واختلف السلف في كيفية قسمة الخمس في الأصل ، فروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس ؛ فأربعة منها لمن قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة ، فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئا ، والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين .

وروى قتادة عن عكرمة مثله . وقال قتادة في قوله تعالى : فأن لله خمسه قال : { يقسم الخمس على خمسة أسهم : لله وللرسول خمس ، ولقرابة النبي صلى الله عليه وسلم خمس ، ولليتامى خمس ، وللمساكين خمس ، ولابن السبيل خمس } . وقال عطاء والشعبي خمس الله وخمس الرسول واحد ، قال الشعبي : هو مفتاح الكلام .

وروى سفيان عن قيس بن مسلم قال : سألت الحسن بن محمد بن الحنفية عن قوله عز وجل : فأن لله خمسه قال : { هذا مفتاح كلام ، ليس لله نصيب ، لله الدنيا والآخرة } . وقال يحيى بن الجزار : فأن لله خمسه قال : { لله كل شيء وإنما النبي صلى الله عليه وسلم خمس الخمس } .

وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيضرب بيده فما وقع فيها من شيء جعله للكعبة وهو سهم بيت الله ؛ ثم يقسم ما بقي على خمسة ، فيكون للنبي صلى الله عليه وسلم سهم ولذوي القربى سهم ولليتامى سهم وللمساكين سهم ولابن السبيل سهم ، والذي جعله للكعبة هو السهم الذي لله تعالى .

وروى أبو يوسف عن أشعث بن سوار عن ابن الزبير عن جابر قال : كان يحمل الخمس في سبيل الله تعالى ويعطي منه نائبة القوم ، فلما كثر المال جعله في غير ذلك .

وروى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : { أن الخمس الذي كان يقسم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم : لله وللرسول سهم ، ولذوي القربى سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل سهم ، ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على ثلاثة أسهم : [ ص: 244 ] لليتامى والمساكين وابن السبيل } . قال أبو بكر : فاختلف السلف في قسمة الخمس على هذه الوجوه ، قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة : إن القسمة كانت على أربعة سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى كان واحدا ، وإنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من الخمس شيئا .

وقال آخرون : قوله لله افتتاح كلام وهو مقسوم على خمسة ، وهو قول عطاء والشعبي وقتادة . وقال أبو العالية : كان مقسوما على ستة أسهم لله سهم يجعل للكعبة ولكل واحد من المسمين في الآية سهم . وأخبر ابن عباس في حديث الكلبي أن الخلفاء الأربعة قسموه على ثلاثة . وقال جابر بن عبد الله : كان يحمل من الخمس في سبيل الله ويعطي منه نائبة القوم ثم جعل في غير ذلك . وقال محمد بن مسلمة وهو من المتأخرين من أهل المدينة : جعل الله الرأي في الخمس إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما كانت الأنفال له قبل نزول آية قسمة الغنيمة ، فنسخت الأنفال في الأربعة الأخماس وترك الخمس على ما كان عليه موكولا إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما قال : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ثم قال : وما آتاكم الرسول فخذوه فذكر هذه الوجوه ثم قال : وما آتاكم الرسول فخذوه فبين في آخره أنه موكول إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم .

وكذلك الخمس قال فيه إنه لله وللرسول يعني قسمته موكولة إليه ، ثم بين الوجوه التي يقسم عليها على ما يرى ويختار . ويدل على ذلك حديث عبد الواحد بن زياد عن الحجاج بن أرطاة قال : حدثنا أبو الزبير عن جابر أنه سئل : كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع بالخمس ؟ قال : كان يحمل منه في سبيل الله الرجل ثم الرجل ثم الرجل .

والمعنى في ذلك أنه كان يعطي منه المستحقين ولم يكن يقسمه أخماسا وأما قول من قال : { إن القسمة كانت في الأصل على ستة وإن سهم الله كان مصروفا إلى الكعبة } فلا معنى له ؛ لأنه لو كان ذلك ثابتا لورد النقل به متواترا ولكانت الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس باستعمال ذلك ، فلما لم يثبت ذلك عنهم علم أنه غير ثابت . وأيضا فإن سهم الكعبة ليس بأولى بأن يكون منسوبا إلى الله تعالى من سائر السهام المذكورة في الآية إذ كلها مصروف في وجوه القرب إلى الله عز وجل ، فدل ذلك على أن قوله : فأن لله خمسه غير مخصوص بسهم الكعبة ، فلما بطل ذلك لم يخل المراد بذلك من أحد وجهين : إما أن يكون مفتاحا للكلام على ما حكيناه عن جماعة من السلف وعلى وجه تعليمنا التبرك بذكر الله وافتتاح الأمور باسمه ، أو أن [ ص: 245 ] يكون معناه أن الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى ؛ ثم بين تلك الوجوه فقال : وللرسول ولذي القربى الآية ، فأجمل بديا حكم الخمس ثم فسر الوجوه التي أجملها .

فإن قيل : لو أراد ما قلت لقال : فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ولم يكن يدخل الواو بين اسم الله تعالى واسم رسول الله .

قيل له : لا يجب ذلك ، من قبل أنه جائز في اللغة إدخال الواو والمراد إلغاؤها كما قال تعالى : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء والواو ملغاة والفرقان ضياء ، وقال تعالى : فلما أسلما وتله للجبين معناه : لما أسلما تله للجبين ؛ لأن قوله : فلما أسلما يقتضي جوابا وجوابه تله للجبين ؛ وكما قال الشاعر :

بل شيء يوافق بعض شيء وأحيانا وباطله كثير

ومعناه : يوافق بعض شيء أحيانا ، والواو ملغاة ؛ وكما قال الآخر :

فإن رشيدا وابن مروان لم يكن     ليفعل حتى يصدر الأمر مصدرا

ومعناه : فإن رشيد بن مروان ؛ وقال الآخر :

إلى الملك القرم وابن الهمام     وليث الكتيبة في المزدحم

والواو في هذه المواضع دخولها وخروجها سواء . فثبت بما ذكرنا أن قوله : فأن لله خمسه على أحد المعنيين اللذين ذكرنا ؛ وجائز أن يكونا جميعا مرادين لاحتمال الآية لهما ، فينتظم تعليمنا افتتاح الأمور بذكر الله تعالى وأن الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى ، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم من الخمس وكان له الصفي وسهم من الغنيمة كسهم رجل من الجند إذا شهد القتال .

وروى أبو حمزة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لوفد عبد القيس : آمركم بأربع شهادة أن لا إله إلا الله وتقيموا الصلاة وتعطوا سهم الله من الغنائم والصفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية