الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مناخ التخلف

                  ** لا شك أن كثيرا من العاملين في إطار العمل الإسلامي غير الرسمي كان أملهم كبيرا بمجيئكم للرابطة، بأن تأخذ الرابطة في الحقيقة بعدا آخر في معالجة بعض الأخطاء التي كانت تقع - كمحاولات السيطرة وغيرها - حتى تكون المراكز الإسلامية في أوروبا وفي غير أوروبا حواس تتكامل في تكوين العقل الإسلامي الصحيح، الذي يمكن أن ينظر لمشكلات المسلمين وأن يعالجها، ولا شك بأنه في الطريق سيظهر ضمن الناس الذين تسيطر عليهم روح القبلية وروح الزعامة، والرغبة في الاستئثار بالعمل الإسلامي وإقامة دويلات في العمل الإسلامي كدويلات العالم الإسلامي الرسمية، لكن هـذه يجب أن توضع لها في الحقيقة خطة طويلة الأمد لإنهائها شيئا فشيئا.

                  وهناك موضوع قد يكون أقرب إلى الاعتبار الشخصي منه إلى الصورة العامة؛ أجد أن كثيرا من الأخوة الذين درسوا في أوروبا وأمريكا - وتخصصوا - يعودون بعد ذلك إلى العالم الإسلامي، فلا يستطيعون الانفصال عن المناخ المتخلف في العالم الإسلامي، ولا يكون عطاؤهم كاملا، بينما تنتظر منهم أشياء كثيرة، ولكن تغلبهم طبيعة ومشكلات المناخ المتخلف الذي [ ص: 100 ] يعيشون به، فلا يفيدون كثيرا من دراستهم في الغرب، فتنعكس هـذه الدراسة وهذه العقلية على عملية تطوير المناهج والخطط الموجودة في المؤسسات الإسلامية، ويمكن أن نلحظ هـذا في المراكز الإسلامية في الغرب، كما يمكن أن نلحظه في المؤسسات الإسلامية التي جاء إليها من كانت له دراسات وتخصصات منهجية في أوروبا وأمريكا.

                  من الأمور الواضحة أن أبناءنا عندما يعودون من الخارج بعد حصولهم على الشهادات المطلوبة يأتون بحماس وغيرة ورغبة في العمل الإيجابي البناء. ويتحرقون شوقا لإنجاز الأمور ومحاولة إصلاح الوضع.. ولكنهم يصطدمون فعلا بواقع حياتنا المعاصرة في العالم الإسلامي، من وجود روتين قاتل وبيروقراطية متفشية إلى أبعد الحدود وحواجز تجعلهم بعد سنة أو سنتين يفقدون هـذا الحماس تماما ويندمجون في واقع المجتمع، وهذه الحقيقة مسألة فطرية، فلا يمكن للإنسان أن يقاوم، إلا من آتاه الله سبحانه وتعالى الحكمة والمقدرة واستمرارية الحماس، ولذلك أعتقد أن دولنا مطلوب منها أن تعيد النظر في الموضوع.. فعندما يأتي هـؤلاء الأبناء عليها أن تتقبل منهم آراءهم وأن تحاول أن تلبيها لهم قدر الإمكان، وشيئا فشيئا حتى يمكن إصلاح الوضع.. الآن هـناك كثير من الدول أعلنت أنها تريد أن تستقطب العقول المهاجرة للغرب، وهذه المشكلة يعاني منها العالم الإسلامي، فهناك عشرات ومئات الألوف من أبناء المسلمين المتخصصين في شتى الفروع والعلوم والفنون التي يحتاجها العالم الإسلامي اليوم أشد الحاجة يعيشون في الغرب، وقد حاولت بعض الدول أن تستقطب هـؤلاء، ووعدتهم بالإمكانات ثم فوجئوا بعد عودتهم إلى تلك البلاد - وهذا يعم البلاد الإسلامية كثيرا - أن هـذا الأمر كان مجرد حلم أو سراب خادع، واصطدموا بواقع الأمور وطبيعتها، بحيث فقدوا الحماس؛ لأنه لم يتوفر لهم الجو العلمي والإمكانات البعيدة عن الروتين وعن متطلبات العمل الورقية وتعطيل الأمور، فجعلهم هـذا ينصرفون مرة أخرى، وكثير من أبناء المسلمين عادوا إلى الغرب مرة أخرى، وهم أشد اقتناعا بعد الرجوع ثانية حتى يحدث الله أمرا كان مفعولا، فأنا أرى أنه لابد من علاج هـذه المشكلة بإيجابية وصراحة ورغبة في تغيير الواقع..

                  ** باعتبار مجيئكم وتعرفكم على أبعاد العمل وعوائقه ومشكلاته من الناحية الرسمية ومن الناحية الشرعية، ومعرفتكم بطبيعة المناخ الذي [ ص: 101 ] لا يزال يساهم بطرد المتخصصين والعقول التي يمكن أن تساهم بإنقاذ العالم الإسلامي من تخلفه، في الوقت الذي تستقطب فيه أمريكا والغرب كل العقول المفكرة.. ألا ترون بأن تقوم الرابطة بدور تستطيع من خلاله إقناع بعض الجهات وتذليل بعض العقبات؟

                  والله ما أدري إذا كان هـناك دور ما، نحاول التفكير في هـذا الموضوع إن شاء الله، لكن ما أعلمه هـو أن كثيرا من المسئولين الصغار والكبار لديهم الإخلاص والرغبة في تذليل هـذه العقبات، لكن واقع المسلمين عموما يعطل ذلك - فكل إنسان في موقع عمله مسئول عن سبب هـذه المشكلة - وما تخاطب أحدا إلا ويعرف أن هـذه المشكلة قائمة وموجودة ويريد أن يعالجها، لكنه لا يقوم ببذل أي جهد، ويندمج في نطاق وإطار العمل القائم ويدخل في الروتين، ثم ينسى الدور الذي عليه أن يؤديه.

                  وأعتقد أنه لو استصدرنا مئات التوصيات ثم لم تلق رغبة وحماسا في التنفيذ من جميع العاملين بدون استثناء، يصعب تنفيذها، ولكن هـذه المشكلة ربما تطرح للدرس أكثر، ونضع توصيات بشأنها؛ لأن وظيفة الرابطة في الحقيقة هـي الدراسة وتقديم توصيات.

                  ** في الحقيقة الرابطة - شئنا أم أبينا - على علاقة بالقضية، فهي تشرف على دراسات وتتعامل مع جاليات وتتعامل مع طلبة يدرسون في الغرب، وتتعامل مع عقول مهاجرة، في مكاتبها في أوروبا وأمريكا . والأصل أنها تتعامل مع العقول المسلمة المهاجرة هـناك، فهي موجودة في العالم الإسلامي وهي في الوقت نفسه موجودة في أوروبا وأمريكا والبلاد التي تستقطب هـذه العقول، وأعتقد بأن هـذا الوجود يعطيها دورا ما على مستوى الأفراد الموجودين والمهاجرين، بتوضيح حاجات بلادهم، وضرورة العمل لتغيير الواقع، وأن هـذا الواقع لا يتغير بين عشية وضحاها، وتغريهم بالعودة إلى بلادهم، ومن جانب آخر تحاول أن تهيئ لهم المناخ الطبيعي في بلادهم ما أمكن؛ لأن كثيرا من العقول المهاجرة في الحقيقة موجودة في مكاتب الرابطة بالخارج.

                  في هـذه المرحلة: تقوم الرابطة بالاستفادة من تلك العقول في مهام مؤقتة أو في شغل مناصب مؤقتة، أو في عمل دراسات معينة، وتدل الجهات في العالم الإسلامي على أماكن [ ص: 102 ] وجود هـؤلاء وعناوينهم ومجالات تخصصهم حتى يمكن الاستفادة منهم، هـذا جانب لا بأس به كفترة انتقالية، ولكنني أرى أن علاج المشكلة من جذورها يبدأ بالتعليم، فلا بد من تغيير مناهج التعليم وأسلوب التربية، أما مدارسنا وجامعاتنا فليس فيها تربية في الواقع، فيها فقط تلقين وشيء من التعليم، فلا بد من غرس التربية الإسلامية والروح البناءة، نحن نرى اليهود كيف ينشئون في أبناءهم المبادئ التي يدعون إليها بطريقة عملية؛ في البيت والمدرسة وفي الشارع. وهذا من واجب المسلمين، كان المسلمون في الماضي يغرسون في الطفل - منذ نعومة أظفاره - الجوانب البناءةوروح الإخلاص والتفاني والعمل، والإخلاص لله عز وجل ، فينشأ الشاب وهو متحمس.. الآن شبابنا يتخرجون وهم بعيدون جدا عن الحماس، والأهداف والوسائل والغايات مختلطة عليهم، لا يعرفون ما هـي الوسيلة وما هـو الهدف، فأصبحت الوسائل أهدافا والأهداف وسائل واختلطت الأمور كثيرا، وهذا يحتاج إلى نفس طويل، وإلى أن يعي المسلمون هـذا الدور، ويحاولوا إصلاح مناهج التربية والتعليم حتى تنطلق.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية