الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الموقع الفاعل

                  ** ننتقل الآن إلى نقطة أخرى من الحوار تتعلق بقضية الدعوة وبالعاملين للإسلام من خلال الظروف المحيطة..

                  كيف ترون الموقع الفاعل بالنسبة للعاملين للإسلام ولقضية الدعوة في هـذا العصر، الذي بدأت تحكم وتتحكم فيه الموازنات الدولية، وتتركز فيه ابتكارات التكنولوجيا في خدمة السلطة والسلطان؟

                  أنا لا أظن الأمر أتى بجديد في عصرنا هـذا، على معنى أنه إذا كان التيار الإسلامي الآن عندما يتحرك يشعر بأن أمامه جنادل، وأن أسوارا هـائلة تحجبه عن الانطلاق وأداء [ ص: 143 ] رسالته، فإن هـذه العوائق هـي ذاتها التي اعترضت صاحب الرسالة أول ما قام يدعو، ما أحد يصدق أن شعبا كشعب الصحراء يشبه في قدراته العقلية والنفسية أي شعب من شعوب العالم المتخلف الآن، يمكن أن يحمل رسالة كبيرة، ولكن مع عظمة الداعية ومثابرته وتلطفه، ومضائه على أمر الله واستهدائه بنور الله، وانتظاره لنجدات الله.. مع هـذا كله بدأ الأمر يتغير وفق الخطة التي يضعها القدر لتنفيذ قوله جل شأنه: ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ) * ( إنهم لهم المنصورون ) * ( وإن جندنا لهم الغالبون ) [الصافات: 171-173].

                  فإذا كان التيار الإسلامي الآن تحيط به حدود غليظة من التخلف العلمي والحضاري والتخلف العسكري والمدني، فإنه لا يجوز أن يكون هـذا دافعا لليأس.

                  ** الحقيقة، أنا لا أعني الوصول لمرحلة اليأس ولكن أقول: إنه من خلال الظروف المحيطة، ما هـي المواقع التي يفكر بارتيادها الآن لمواجهة هـذه الظروف؟.. فاليأس يعني التوقف والسقوط والاستسلام.. ونحن لا نقول بالاستسلام، وإنما نقول بأن الداعية المسلم يجب عليه أن يفقه الظروف من حوله، وأن يحسن تخير الموقع الذي يمكن أن يكون أكثر فاعلية من خلال هـذه الظروف.

                  نعم.. لذلك أرى أن يبدأ الداعية المسلم بإصلاح بيئته وإعدادها إعدادا نفسيا وعقليا لتكون منطلقا إلى ما بعدها.. وكلما أصلح جزءا من الأرض التي يقف عليها بقدميه انتقل إلى آخر، وضم إلى قديمه جديدا لتتسع الرقعة التي ينطلق منها إلى العالم كله، وعليه ألا يكون مقلدا تقليدا حرفيا لحركات الإصلاح الأولى، فإن التغييرات التي حدثت في العالم تجعله الآن حذرا ومقدرا لأبعاد ما يقول.

                  إن الكلمة الآن تقال في جزيرة العرب ، فلا تمر بها ساعات حتى تكون في القارات الخمس منقولة هـنا وهناك، فربما تصدر الفتوى يقصد بها بيئة داخلية، فتنتقل إلى الخارج فتكون سببا في تعويق مسيرة الدعوة الإسلامية.

                  أريد أن يعلم أيضا الآن أن هناك وسائل جدت، الإعلام الآن أصبح فنا، وأصبح من الممكن عمل أشياء كثيرة لجعل كلمة الإسلام تتردد بعدة صور وبعدة أساليب، فن الكتابة [ ص: 144 ] أصبح فنا فعلا، له رجاله الذين يتقنون أن يبلغوا أعماق النفوس، والله سبحانه وتعالى يقول: ( وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) [النساء:63].. كيف تقول القول فيبلغ أعماق النفس البشرية؟ الآن حتى الصورة أصبح لها تأثير.. والخبر أصبح له فن، كل هـذا يجب أن يتوفر لمن يتعرضون للعمل في الميدان الإسلامي، المنطلق الفاعل أنهم أصحاب إيمان بالله يعملون له ويستمدون منه، وأنهم يعرفون ما جد في العالم من أساليب.. وما جد في العالم من أساليب يشبه ما جد في العالم من أسلحة، فالارتباط بالأسلحة القديمة جنون والارتباط أيضا بالخطوات القديمة جنون، الحركة تحتاج إلى ذكاء ولباقة وفكر.

                  من هـنا فأنا محتاج إلى إنسان تكون خصائصه العقلية مرنة، ويستطيع أن يتحرك بالإسلام في مواطن كثيرة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية