الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مفهوم التراث

                  ** .. هـناك في الحقيقة كلام طويل في قضايا التاريخ وقضايا التراث فبعض الناس في تعريفاتهم للتراث -الذي يعني كل قديم موروث سواء أكان اجتهادابشريا أم وحيا سماويا، قد يصلون إلى اعتبار الكتاب والسنة من التراث، يعني ما ورثه اللاحقون عن السابقين.. ممكن أن يأخذوا ويدعوا ما يشاءون منه.. وبعضهم يفرق بينه فيقول: إن التراث هـو فهوم المسلمين من الكتاب والسنة -القابلة للخطأ والصواب- أما الكتاب والسنة فهما وحي الله، ولا يمكن أن يخضعا للمقاييس والمعايير التي يقوم بها التراث من حيث الخطأ والصواب. [ ص: 141 ]

                  من ناحية اللغة تحتمل كلمة الكتاب والسنة أن تكون تراثا من المواريث.

                  ** تراث النبوة ما جاء عنها..

                  نعم.. ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) [فاطر: 32]، " وحديث أبي هـريرة رضي الله عنه أنتم هـنا وتراث محمد يوزع في المسجد.. " فتراثنا الذي حملته الأمة العربية هـو أساسا رسالة سماوية.. كتاب جاء من عند الله، ونبي ملهم سدد الله خطاه في حركاته وسكناته كلها، فهو في عصمة أرشد وألهم، ولذلك نحن نرى أن الكتاب والسنة مصدران رئيسان لا بد منهما، ولا بد من إحاطتهما بهالة من التقديس، لأنهما حياتنا الروحية، وكل تفريط في الكتاب والسنة هـو خروج الشيء عن حقيقته.

                  ** أي أن مصطلح التراث الذي شاع في أذهان بعض الناس، الذي هـو ما ورثه اللاحقون عن السابقين من فهوم غير ملزم لا ينطبق على الكتاب والسنة.

                  هذه الفهوم ينطبق عليها مصطلح التراث الذي يمكن الاهتداء به، أما الكتاب والسنة فقضية لا ينطبق عليها هـذا المصطلح.. فهي شيء معصوم لا بد من احترامه، وهي فوق المساءلة والمناقشة: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) [الأحزاب: 36].. ويقول سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) [الحجرات: 1].. فإذا قال الله تعالى أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى الأمر.

                  ونحن نحترم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم جزء من الرسالة ومن كيان النبوة، وخير القرون القرن الأول وبعده القرن الذي يليه.. فالرسول صلى الله عليه وسلم مات ورسالته محصورة في الجزيرة العربية -مع أنها من الناحية العلمية رسالة عالمية- فمن الذي أعطاها الامتداد العالمي والطابع العالمي؟! هـؤلاء الصحابة الذين رباهم محمد صلى الله عليه وسلم وأحسن تربيتهم هـم الذين نقلوا الإسلام من جزيرة العرب إلى أفريقيا وآسيا ، ولا ننسى أنهم كانوا أقدر وأنضج وأجدر بالحياة، وأكثر صلابة من أتباع الأنبياء السابقين، فأتباع عيسى عليه السلام عندما صدر الأمر بالقبض على عيسى أعلنوا [ ص: 142 ] إنكارهم لمعرفتهم به، وأولهم بطرس ، وقال: أنا ما رأيته ولا أعرفه، بينما وجدنا أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته أشد الناس وفاء له ومدا لتراثه، فهم الذين حققوا العالمية، وهدموا أكبر إمبراطورتين في التاريخ في وقت واحد، فلم تمض سنون عشر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كانت الإمبراطورية الفارسية قد تلاشت، ثم لحقتها الإمبراطورية الرومانية في آسيا الصغرى وفي الشمال الأفريقي كله، وانحصرت تقريبا في أوروبا وبعض آسيا .. فالذين صنعوا هـذا لهم مكانتهم.. ويؤسفني أن العدوان على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود.. وقد سمعت إذاعة من الإذاعات الأجنبية، وجه لها سؤال عن تاريخ خالد بن الوليد ، وكاد المذيع -وقد عرفت بعد أنه غير مسلم- كاد يرى خالدا رجلا فاتكا، وأخذ يدندن بأنه قتل مالك بن نويرة وأخذ امرأته، ثم سلبه كل عبقرياته العسكرية وكل أمجاده في هـدم أطغى امبراطورية في الدنيا -الإمبراطورية الرومانية- وهذا في الحقيقة تزوير للتاريخ..

                  وأيضا عندما يقال: إن عمرو بن العاص كان خطافا أو شيئا من هـذا، فإن ذلك شيء خطير، لأن معنى تلويث الصحابة تحت عناوين شتى، يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يحسن التربية، وأنه أطلق أناسا طلاب مآرب وليسوا أصحاب تقوى، مع أن الشعوب ما تعلمت الإيمان والتقوى إلا من هـؤلاء الفاتحين..

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية