الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الحصن الأخير

                  على الرغم من أن أفغانستان تعتبر الحصن الأخير للمسلمين في شبه القارة الهندية - كما عبرتم عن ذلك في إحدى رسائلكم - فإن قضية أفغانستان لا تعتبر قضية محلية، ولا تنحصر بين شبه القارة الهندية وروسيا ، فقد جاء الغزو الروسي لينذر بخطر يتهدد مواقع أخرى متقدمة، حيث بات واضحا أن الهدف من الغزو الشيوعي هـو التسلل إلى [ ص: 33 ] أجزاء العالم الإسلامي واحتوائه بالقوة على مراحل، وتجربة احتلال الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي لا تزال ماثلة.. هـل تلقون بعض الضوء على هـذه القضية الهامة؟ وما هـي توقعاتكم لمستقبلها؟

                  أدليت ببيان ضاف فيما يتصل بهذه القضية، وفي الحقيقة مأساة أفغانستان مأساة كبيرة؛ لأن أفغانستان كان الحصن الأخير للمسلمين في شبه القارة الهندية ، وكما قال الأمير شكيب أرسلان في حواشيه القيمة على حاضر العالم الإسلام: إنه إذا سكن كل عرق في العالم الإسلامي، فإن العرق الإسلامي في أفغانستان لا يزال متحركا.. وهو كان مدخل المسلمين الفاتحين في الهند.. دخلوا من مضيق خيبر إلى الهند ، وكانت أفغانستان تزود الهند بخيرة المجاهدين وخيرة العناصر.. فكون أفغانستان تفقد شخصيتها الإسلامية، فمعنى ذلك أن المسلمين في كل العالم الإسلامي يفقدون حصنا من حصونهم.

                  وعرف الأفغان بالنخوة الإسلامية وبالشجاعة والحماس، ولم يستسلموا لأي فاتح أجنبي أو لهجوم أجنبي إلا للمسلمين فقط. فقد اعتبروا المسلمين حملة رسالة الإنسانية والمساواة، فلم يستسلموا لهم، إنما قبلوهم طواعية.

                  والإسلام هـو الضيف الأجنبي الوحيد الذي دخل فأصبح صاحب البلاد، أصبح مضيفا وأصبح جزءا من البلاد لا يمكن فصله من أفغانستان.. واختمرت طينة أفغانستان بالإسلام وبتعاليم الإسلام، وظلوا محافظين، معتزين بالإسلام، مستميتين في سبيل الإسلام إلى آخر يوم. ولكن كانت روسيا من قرون - كما يبدو من تتبع تاريخ الأفغان - بحكم جوارها وبحكم وقوع أفغانستان بين باكستان وبين الهند وبين روسيا ، كانت روسيا تطمع في أفغانستان من زمان.. ولكن الملوك الأفغان المسلمين الغير رفضوا هـذا، وظلوا محافظين على حريتهم.. وعرفنا التاريخ أن الإنجليز أرسلوا جيشا من الهند لتدويخ أفغانستان ولإخضاعها، ففني هـذا الجيش كله، وما بقي إلا طبيب واحد رجع من مضيق خيبر وأخبر نقطة (مركز) الجيش في الهند بالمأساة، أن الجيش الإنجليزي أبيد كله.

                  في الحقيقة بقاء أفغانستان على شخصيتها الإسلامية وبخصائصها الأفغانية كان مصدر قوة كبيرة ليس للهند فقط، لشبه القارة الهندية ، بل للعالم الإسلامي كله.. وضياعها كدولة مسلمة وكشعب مسلم غيور، معناه أن الجسم الإسلامي قد فقد جزءا سليما وجزءا قويا من أجزائه.. لذلك لا تعتبر قضية أفغانستان قضية محلية ولا قضية تنحصر بين شبه [ ص: 34 ] القارة الهندية وروسيا ، بل هـي قضية إسلامية عامة.

                  وبقي الأفغان إلى هـذا اليوم، وهي مدة قياسية بالنسبة إلى ما يملكه المجاهدون من إمكانات ومن عدد ومن مادة، بقي الأفغان يجاهدون في بلادهم لمدة لا نعرفها لبلد آخر، وهو البلد الوحيد الذي صمد في وجه الزحف الروسي الأحمر في تاريخ هـذا الزحف على البلاد الإسلامية على طوله.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية