الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  حضارة الأزمة ** يكاد يتفق علماء الفكر الغربي ـ سواء على المستوى الفلسفي أو التقني ـ على أن الحضارة الغربية بالرغم مما وصلت إليه من تطور، تتجه إلى طريق مسدود، وتقود البشرية إلى حضارة الإنسان المتأزم في قوته وليس في ضعفه ؛ الأمر الذي ينذر بأزمة خطيرة قد يدمر الإنسان فيها نفسه، ذلك أن التطور المعاصر يقوده في اتجاه واحد هـو اتجاه الأزمة، بينما يقتضي الأمر أن يكون هـذا التطور شاملا متوازنا.

                  من خلال معرفتكم للفكر الغربي ومعايشتكم الطويلة لواقع الحياة في الغرب، نود أن نتعرف على المدى الذي وصلت إليه الحضارة الغربية ذات البعد الواحد، وكيف يمكن أن يكون للإنسان حضور حقيقي لتصحيح مسيرة التطور ؟

                  ** إن التطور يكيف السلوك دائما، كما أن السلوك يكيف التطور.. وقد اختلف بعض الفلاسفة حول أيهما يقود الآخر : التطور يقود السلوك أو السلوك هـو الذي يقود التطور ؟ ومتى ؟ إلا أن هـناك شبه إجماع على أن التطور يقود السلوك في اللحظات الانسجامية حينما تكون المسيرة إيقاعية، ويملي عليه التغير.

                  أما في حالة التأزم فإن السلوك هـو الذي يقود التطور.. وقد تجاوز الإنسان الأزمات الكبرى للبشرية بالسلوك وليس بالتطور.. ومن الخطأ أن تتبنى القول بأن التطور هـو الذي قاد البشرية في المجتمعات القديمة ؛ وإنما السلوك ـ بمعنى الرسالة الإلهية والوحي الإلهي ـ هـو الذي قاد المجتمعات التي كانت تعيش في الصنمية والوثنية، وغير قادرة حتى على تعليل أبسط الأمور، قادها إلى التأمل.. ذلك ـ كما قال " دور كايم " الفليسوف الملحد ـ أن وراء كل فلسفة دينا، ولا يمكن تصور فلسفة لا ترتكز على دين.

                  فالدين هـو الذي دفع إلى التأمل وأيقظ الحكماء والرؤية الفلسفية.. وبالتالي فإن السلوك الذي نبع من رسالة الخالق الذي قام بعملية تصحيح مسيرة المجتمعات البدائية والمجتمعات التي كانت تعاني من الالتباس والمراوغة.. ويعتبر الإسلام، بلا شك، المرحلة الرئيسة في التصحيح الجذري للتطور بالسلوك وليس تصحيح التطور بالتطور. [ ص: 58 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية