الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المقدمة ** كثيرون من الذين تحدثوا وكتبوا عن سقوط الحضارة الغربية وترديها وعوامل انهيارها، على الرغم مما وصلت إليه من رقي وإنجاز " تكنولوجي " كانوا يصدرون في حكمهم عن موقف هـو أقرب إلى الرفض العاطفي منه إلى النقد المبرر، مستندين في ذلك إما إلى مشاهدات عابرة لمظاهر هـذه الحضارة، أو إلى مطالعات ـ قد لا تكون منظمة ـ لكتابات مؤرخي وفلاسفة القرن العشرين.. وقليلون هـم الذين خبروا الحضارة الغربية ووقفوا على أرض الواقع يحللون معطيات العصر الاجتماعية والاقتصادية والتقنية ؛ فتأتي شهادتهم ـ من ثم ـ من موقع الخبرة والمعاناة والتخصص المنهجي..

                  والدكتور رشدى فكار الذي نحاوره يعتبر من أبرز المفكرين المسلمين الذين عايشوا الحضارة الغربية وخبروها من الداخل، وتخصصوا بفكرها وعلومها لفترة تزيد على ربع [ ص: 56 ] قرن من الزمان.. وقد أتاحت له مشاركته الكثيرة في المؤتمرات واللقاءات المختلفة على المستوى العالمي الاطلاع أكثر على جوانب الأزمة في هـذه الحضارة، والتعرف على شخصية إنسانها.. فاكتسبت بذلك شهادته وإدانته لحضارة الأزمة أو أزمة الحضارة المعاصرة قيمة خاصة ( ولا ينبئك مثل خبير ) ( فاطر : 14)

                  ويعتبر الدكتور " رشدي " أنموذجا للمسلم الحصين الذي كان للمرجعية التي ربي عليها في سنوات عمره الأولى من خلال القرآن الكريم والحديث والسيرة والفقه واللغة العربية أثر كبير في حماية ذاته والمحافظة على أصالته الإسلامية.. ولعل ذلك ما جعله يؤكد تأكيدا صارما على خطورة مرحلة الطفولة ومراحل التعليم الأولى حيث تتم فيها زراعة البذور لمستقبل الحياة الوجدانية والسلوكية، ويدعو إلى تحريم اطلاع الطفل المسلم على أي انتماء آخر غير انتمائه الإسلامي الحضاري حتى الثانية عشرة من عمره ؛ كما تفعل ذلك الأمم الأخرى كلها مع أطفالها..

                  ولنا هـنا تحفظ عام ارتأينا الإشارة إليه بمناسبة الحوار " رشدي " وهو أن مشكلة كثير ممن تخصصوا بالفكر والفلسفة الغربية بشكل عام، ربما تكون في أنهم يتناولون المعرفة الإسلامية وحضارتها بوسائل البحث والمعرفة نفسها التي تحكم وتتحكم بالفكر الغربي، فقد تغيب في غمرة ذلك عن الأذهان مصادر المعرفة في الإسلام..

                  ومعلوم أن تفسير قصة الحياة وتحديد أهدافها وحماية إنسانها لا يتأتى ـ في الإسلام ـ من المعرفة المتحققة من النظر العقلي فقط وإنما يتحقق بالدرجة الأولى عن طريق المعرفة التي يوفرها الوحي.

                  وليس من شك عندنا أن الدكتور " رشدى فكار " بما يمتلك من اختصاص ومتابعة لفكر الأزمة وإنسانها سوف يكون الشاهد القادر على كشف الخروق والكسور التي تعاني منها الحضارة المادية بشقيها الرأسمالي والاشتراكي.. إنه يقف على ثغرة ويرابط في موقع على غاية من الأهمية.. إنه الموقع الذي يورث الاعتزاز بالإسلام كدين إنساني يشكل الحل الوحيد لأزمة البشرية من جهة ومن جهة أخرى يكسب المسلم الاطمئنان إلى سلامة الطريقة الذي يسير فيه ** [ ص: 57 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية