الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  فقه الدعوة ملامح وآفاق [الجزء الأول]

                  عمر عبيد حسنة

                  الأوعية الشرعية لحركة الشباب

                  ** ألا تعتقدون أن تعليل ظاهرة الشوشرة الذهنية وعملية القفز التي نراها [ ص: 44 ] عند الجيل عامة، حتى في الوسط الإسلامي، يعود إلى خلو الساحة من علماء أثبات يفرضون قيمتهم العملية على الناس، أو أننا خلينا بين الشباب وبين مصيرهم فلم نعش معهم، ولم نضع لهم الأوعية الشرعية الصحيحة من خلال علماء يفقهون العلم الشرعي وخلود الإسلام الذي يجب أن يستجيب لكل حالة من الحالات، ويفقهون إلى جانب ذلك العصر وحاجاته؟

                  كما أوضحت فإن من مظاهر العلة الموجودة في المجتمع الإسلامي، ذلك الفراغ الهائل من الموجهين من العلماء الأثبات.. وكما هـو معلوم فإن الله تعالى يبتلي الأمة حين يخليها من العلماء الصالحين: ( إن الله لا يقبض العلم ينزعه انتزاعا، وإنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق أحد، اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) . لكن، في الوقت نفسه، ينبغي أن ننبه الشباب إلى أن لكل شيء وسائله وأسبابه وسننه، وأن الطفولة لها حدود، وما بعد الطفولة له حدود أيضا.. لابد أن نقوم بعملية توعية كبيرة ليحترم كل واحد الحقيقة من حيث هـي.. فإذا لم يعرف هـذه الحقيقة، عليه أن يقف عند حده.

                  ومن الأمور الخطيرة أننا سهلنا للشباب القضايا، فأضفنا إلى مشكلاته ما سماه الأستاذ "مالك بن نبي" رحمه الله، بذهان السهولة، فإما أننا نستسهل الشيء جدا أو نستصعبه جدا لدرجة الشلل، وليس أدل على ذلك من قضايانا الكبرى التي حينما نتحرك لحلها، نتحرك بطريقة هـوجاء.

                  وهناك أمثلة كثيرة، لا مجال لذكرها هـنا، لكنها تدل على أنه حتى أولئك الذي يفكرون في التحرير وفي القضايا الكبرى يأخذونها بطريقة سهلة.

                  وأعتقد أن من المفاتيح الكبيرة للحل إعداد الدعاة بشكل جيد، إضافة إلى تغيير النظرة العامة والرؤية الفكرية للمجتمع.. لا بد أن نعمل على أن نضع الأمة أمام مشكلاتها.. لا بد أن يفهم كل إنسان في الأمة الإسلامية أن هـناك نقصا في العطاء.. فحينما ننظر إلى المجتمع الإسلامي الأول نجد أنه مجتمع عطاء بمعنى الكلمة.. ولكن حدث بلاء عام في المجتمع الإسلامي، فأصبح الناس يعلقون مشاكلهم على حكامهم وينتظرون الحل، ليس من أنفسهم، وإنما أن يأتي إليهم من الخارج، وذلك حتى في القضايا الكبرى.. [ ص: 45 ]

                  ولا شك أن هـذه الظاهرة مرضية شديدة وخطيرة.. وحتى حينما تنظر نظرة فاحصة إلى المؤسسات التي تعمل داخل الأمة الإسلامية، تجد أنها لا تعمل بكفاءة، وما هـذا إلا بسبب فقدان الروح الاجتماعية.

                  من هـنا فإن العاملين للإسلام يخطئون خطأ كبيرا حينما لا يربون الناس على روح الأمة، بحيث لا يفرق المرء بين أي فرد فيها، وإنما يأخذ الجميع إلى مرضاة الله عز وجل وإلى التعاون على البر والتقوى.. وهذه نقطة خلل كما هـي أيضا نقطة حل.

                  فلطول الهوان الذي أصاب الأمة، أصبح كل واحد منا يعيش في برجه أو يعيش في هـمه. ولم يعد الحس الإسلامي حسا حيا جماهيريا.. ولذلك ينبغي - حلا للمشكلة- إيقاظ العامة؛ لأن جماهير الأمة هـم درع الإسلام وقوته.. لابد أن نحرك الأمة بجميع أفرادها إلى هـذا المعنى، إلى استشعار قضاياها.. وهذا أمر هـام جدا.. لكن من المؤسف أن تجد المتحدثين والمتكلمين يتحدثون عن قضايا جزئية، ولا يربطون الأمة بقضاياها الكلية والمصيرية.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية