الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        29757 - قال مالك : ولا يحل بيع الزيتون بالزيت ، ولا الجلجلان بدهن الجلجلان ، ولا الزبد بالسمن ؛ لأن المزابنة تدخله ، ولأن الذي يشتري الحب وما أشبهه ، بشيء مسمى مما يخرج منه لا يدري أيخرج منه أقل من ذلك ، أو أكثر . فهذا غرر ومخاطرة .

                                                                                                                        [ ص: 188 ] 29758 - قال مالك : ومن ذلك أيضا ، اشتراء حب البان بالسليخة ، فذلك غرر ، لأن الذي يخرج من حب البان هو السليخة . ولا بأس بحب البان بالبان المطيب ؛ لأن البان المطيب قد طيب ونش وتحول عن حال السليخة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        29759 - قال أبو عمر : ما ذكره مالك - رحمه الله - فهو كما ذكره يدخله المزابنة والغرر .

                                                                                                                        29760 - وكذلك هو عند الشافعي ، وأحمد ، وأكثر العلماء ، لا يجوز عندهم بيع الزيتون بالزيت على حال ، ولا الشيرج بالسمسم ، ولا نبيذ التمر بالتمر .

                                                                                                                        29761 - وقال الأوزاعي : يجوز شراء زيتونة فيها زيتونة بأمداد من زيتون ، وكذلك شاة بها لبن بأقساط من لبن ؛ لأن ما في الشجرة ، والضرع لغو .

                                                                                                                        29762 - قال مالك : لا بأس عليها صوف بصوف ، ولا بأس بالشاة اللبون باللبن يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، وإن كانت غير لبون جاز الأجل .

                                                                                                                        29763 - قال : ولا بأس بالشاة اللبون بطعام إلى أجل ؛ لأن اللبن من الشاة وليس الطعام منها .

                                                                                                                        29764 - قال : وكذلك التمر بالنوى لا بأس به إلى أجل .

                                                                                                                        29765 - قال : والشاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل جائز إن لم تكن شاة لحم ، وكانت تقتنى ، وإن كانت شاة لحم ، فلا .

                                                                                                                        [ ص: 189 ] 29766 - قال : وكذلك السمن إلى أجل بشاة لبون ، ولا يجوز ، وإن لم يكن منها لبن جاز ، ويجوز الجميع يدا بيد .

                                                                                                                        29767 - وفي " العتبية " لابن القاسم ، عن مالك أنه لا يجوز اللبن بالشاة أيهما عجل ، وأخذ صاحبه .

                                                                                                                        29768 - وقال سحنون : الذي أعرفه من ابن القاسم ، وقاله لي غير مرة ، أنه إذا قدم اللبن في الشاة اللبون ، فلا بأس به إذا كانت الشاة معجلة ، واللبن إلى أجل ، وأما إذا كانت الشاة اللبون معجلة ، واللبن إلى أجل ، فهو حرام ، لا يجوز .

                                                                                                                        29769 - وروى يحيى ، عن ابن القاسم أنه قال : لم يحرم مالك الشاة اللبون باللبن إلى أجل من أجل أنه طعام بطعام إلى أجل ، ولكن من أجل المزابنة .

                                                                                                                        29770 - قال أبو عمر : اختلاف أصحاب مالك في هذا الباب من المزابنة وشبهها كثير جدا ، وقد ذكرناه في كتاب اختلافهم .

                                                                                                                        29771 - ويجوز عند أبي حنيفة ، وأصحابه بيع الزيت بالزيتون ، وبيع الصوف بالشاة ، والنوى بالتمر على الاعتبار .

                                                                                                                        29772 - وكذلك الشاة التي في ضرعها لبن بلبن ، وذلك بأن يكون [ ص: 190 ] اللبن الذي في ضرع الشاة أقل من اللبن ، فيكون ما زاد على مقداره ثمنا للشاة .

                                                                                                                        29773 - وكذلك الزيت يكون أقل مما في الزيتون من الزيت .

                                                                                                                        29774 - وكذلك الصوف ، والشاة .

                                                                                                                        29775 - وقد ذكرنا هذا المعنى من مذهبهم واضحا في الصرف ، وذكرنا مذهب الشافعي في المزابنة ، وما كان مثلها فيما تقدم .

                                                                                                                        29776 - وأما قول مالك إنه لا بأس تجب ألبان المطيب ، فهو مذهبه في اللحم الطري بالمطبوخ ، وكل ما غيرته الصنعة ، وخالفته في الغرض فيه بينه وبين غيره ، لا بأس عنده باللحم المطبوخ بالإناء ، بل باللحم النيء متفاضلا ومتماثلا ، يدا بيد ، ولا يباع - عنده - اللحم الرطب بالقديد إلا مثلا بمثل ، ولا متفاضلا .

                                                                                                                        29777 - وقال الشافعي : لا يجوز بيع اللحم من الجنس الواحد مطبوخا منه بنيئ منه بحال إذا كان إنما يدخر مطبوخا ، وكذلك المطبوخ بالمطبوخ ، لأنه لا يدرى التساوي فيهما ، ولا ما أخذت النار من كل واحد منهما .

                                                                                                                        29778 - وقال الطحاوي : قياس قول أبي حنيفة ، وأصحابه أنه لا يباع النيئ بالمشوي إلا يدا بيد ، مثلا بمثل ، إلا أن يكون في أحدهما شيء من التوابل ، فيكون الفصل في الآخر للتوابل .

                                                                                                                        [ ص: 191 ] 29779 - قال أبو عمر : يجيء على قياس قول أبي حنيفة ما ذكره الطحاوي قياسا على قوله في البر المقلو بالبر ، ويجيء أيضا على قوله في جواز الحنطة المبلولة باليابسة جواز ذلك ، وقد خالفه أبو يوسف فيه ، وقد تقدم ذكر ذلك في بابه ، والحمد لله كثيرا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية