الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        30162 - قال مالك ، في الذي يشتري السلعة من الرجل ، على أن يوفيه تلك السلعة إلى أجل مسمى . إما لسوق يرجو نفاقها فيه . وإما لحاجة في ذلك الزمان الذي اشترطه عليه ، ثم يخلفه البائع عن ذلك الأجل . فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع . إن ذلك ليس للمشتري . وإن البيع لازم له . وإن البائع لو جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30163 - قال أبو عمر : أما قوله : لو أن البائع جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها . فهو كذلك عند سائر العلماء ؛ لأن أعراض الناس ومنافعهم تختلف في الاحتيال للسلع التي يبتاعونها ، وليست [ ص: 272 ] السلعة كالدنانير والدراهم التي تلزم من عجلت له قبل محل أجلها أخذها ؛ لأنها لا مؤنة لها ، ولا يختلف العرض فيها ، وإن اختلف ما يصرف فيه .

                                                                                                                        30164 - وأما من سلم في شيء من المأكول ، أو الحيوان إلى أجل له فيه منفعة إذا قبضه عند ذلك الأجل ، فقد اختلف العلماء في ذلك ، واختلف فيه أصحاب مالك .

                                                                                                                        30165 - فروى أشهب ، وابن وهب ، عن مالك فيمن سلم في كباش يؤتى بها في الأضحى ، فلم يأته بها حتى مضى الأضحى أنه يلزمه أخذها ، كما لو سلم في وصائف في الشتاء فأتى بها المسلم إليه في الصيف ، أو سلم في قمح لإبان فعلوا فيه فيأتيه بعد كل ذلك يلزمه أن يقبله .

                                                                                                                        30166 - وهذا معنى ما ذكره في " الموطأ " .

                                                                                                                        30167 - قاله ابن وهب .

                                                                                                                        30168 - وقال غيره : لا يلزمه أحدها - يعني الضحايا - إذا أتاه بها بعد الأضحى بيوم أو يومين .

                                                                                                                        30169 - قال أشهب : قيل له : فالرجل يتكارى إلى الحج فيأتيه به بعد [ ص: 273 ] إبان الحج ، أيكون مثل ذلك ، يعني ما تقدم ذكره من الضحايا ، والوصائف .

                                                                                                                        30170 - قال : وليس الحج من هذا فيما أرى ، ولا هو مثله .

                                                                                                                        30171 - قال أبو عمر : ما ألزمه مالك أخذ الضحايا بعد الأضحى ، والوصائف بعد انقضاء الشتاء ، قياسا - والله أعلم - على غيرها من السلع المسلم فيها ، وعلى الدنانير والدراهم يشترط فيها أجلا ، فلا يوفيه إلا بعد الأجل ، ومن أبى من ذلك ، قال : لم أدفع في ثمن ما سلمت إليك فيه من الضحايا وشبهها إلا ليأتي به بها في وقت أدرك سوقها ، فلذلك اشترطت عليه ذلك الوقت ، والمسلمون عند شروطهم .

                                                                                                                        30172 - وقاسه على المكتري إلى الحج لا يأتيه كريه إلا بعد انقضاء الحج ، أو في وقت لا يدرك فيه الحج ، فلم يلزمه أخذ ذلك .

                                                                                                                        30173 - وقال الشافعي : كل من سلف في شيء فجاءه به المسلف إليه خلاف جنسه ، أو صفته ، أو خالف في منفعته ، أو ثمن كان ألا يقبله .

                                                                                                                        30174 - قال : ولو جاءه به قبل محله ، فإن كان نحاسا أو تبرا ، أو عرضا غير مأكول ، ولا مشروب ، ولا ذي زوج ، أجبرته على أخذه ، وإن كان مأكولا أو مشروبا فقد يريد أكله وشربه جديدا ، وإن كان حيوانا فلا غنى به عن العلف والرعي ، فلا يجبر على أخذه قبل محله ؛ لأنه يلزمه فيه مؤنة إلى أن ينتهي إلى وقته .

                                                                                                                        [ ص: 274 ] 30175 - قال أبو عمر : يجب على أصله هذا إذا كان لا يلزمه أخذه لما فيه عليه من المؤنة إلى وقت مثله ألا يلزمه أخذه أيضا إذا فاتت السوق والموسم الذي له قصد بالشراء كالضحايا وشبهها ؛ لأن ما يفوته هنا من الفائدة ، كالذي يلحقه فيه من المؤنة قبل الأجل إلى وقت حلوله .

                                                                                                                        30167 - والقياس ما قاله مالك أنه يلزمه أخذه ؛ لأنه ليس بظلمة له في المطل والتأخير عن الوقت تبطل صفقته ، ويفسد ما كان صحيحا من بيعه . والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية