الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 60 ] 29254 - قال مالك ، في رجل له على رجل طعام ابتاعه منه ، ولغريمه على رجل طعام مثل ذلك الطعام ، فقال الذي عليه الطعام لغريمه : أحيلك على غريم ، لي عليه مثل الطعام الذي لك علي ، بطعامك الذي لك علي .

                                                                                                                        29255 - قال مالك : إن كان الذي عليه الطعام إنما هو طعام ابتاعه ، فأراد أن يحيل غريمه بطعام ابتاعه ، فإن ذلك لا يصلح ، وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى ، فإن كان الطعام سلفا حالا ، فلا بأس أن يحيل به غريمه ، لأن ذلك ليس ببيع ، ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى . لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، غير أن أهل العلم قد اجتمعوا على أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة في الطعام وغيره .

                                                                                                                        29256 - قال مالك : وذلك أن أهل العلم أنزلوه على وجه المعروف ، ولم ينزلوه على وجه البيع ، وذلك مثل الرجل يسلف الدراهم النقص ، فيقضى دراهم وازنة فيها فضل ، فيحل له ذلك ، ويجوز ولو اشترى منه دراهم نقصا ، بوازنة لم يحل ذلك ، لو اشترط عليه حين أسلفه وازنة ، وإنما أعطاه نقصا لم يحل له ذلك .

                                                                                                                        1312 - قال مالك : ومما يشبه ذلك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة وأرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر ، وإنما فرق بين ذلك : أن بيع المزابنة بيع على وجه المكايسة والتجارة ، وأن بيع العرايا على وجه [ ص: 61 ] المعروف ، لا مكايسة فيه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        29257 - قال أبو عمر : أما قوله في أن الحوالة بالطعام إذا كان من بيع لا يجوز ، وإذا كان من قرض جاز ، فقد مضى القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى من ابتاعه لا من ملكه بأي وجه كان ، لأنه صلى الله عليه وسلم قال : " من ابتاع طعاما ، فلا يبعه حتى يستوفيه " ، أو قال : حتى يقبضه ، فخص مبتاع الطعام بذلك ، لأنه في ضمان غيره ، لا في ضمانه ، وجاز للوارث بيعه قبل أن يستوفيه ، لأنه غير مضمون على غيره .

                                                                                                                        29258 - وخالف الشافعي مالكا في القرض ، فلم ير بيعه قبل قبضه ، لأنه من ضمان المستقرض .

                                                                                                                        29259 - وأما الحوالة به ، فرأى مالك أن الحوالة إن كانت نقل ذمة إلى ذمة ، وتحول ما على ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه برضا المستحيل ، فإنه عنده بيع من البيوع ، لأن البيع كل ما تعاوض عليه المتعاوضان ، فلم تجز الحوالة في الطعام لمن ابتاعه كما لا يجوز بيعه قبل قبضه .

                                                                                                                        29260 - وقول الشافعي في ذلك كقول مالك .

                                                                                                                        29261 - قال الشافعي : ولرجل عليه طعام ، فأحال به على رجل له عليه [ ص: 62 ] طعام لم يجز من قبل أن أصل ما كان له بيع ، وإحالته به بيع منه له بالطعام الذي عليه بطعام على غيره .

                                                                                                                        29262 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ، فلا بأس عندهم بالحوالة ، في السلم كله طعاما كان ، أو غيره ، وهو عندهم من باب الكفالة ، وجائز عندهم للمسلم أن يستحيل بما سلم فيه على من أحاله عليه المسلم إليه كما له أن يأخذ به رهنا ، وكفلا ، وأخرجوا الحوالة من البيع ، كما أخرجها الجميع من باب الدين بالدين ومن باب البيع أيضا .

                                                                                                                        29263 - ولو كانت الحوالة من البيع ما جاز أن يستحيل أحد بدنانير من دنانير ، أو بدراهم من دراهم ، لأنه ليس هاء وهاء .

                                                                                                                        29264 - وأما قول مالك ، بأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا بأس بالشركة والتولية ، والإقالة في الطعام ، وغيره إلى آخر كلامه .

                                                                                                                        29265 - وأحسبه أراد أهل العلم في عصره ، أو شيوخه الذين أخذ عنهم .

                                                                                                                        29266 - وأما سائر العلماء ، فإنهم لا يجيزون الشركة ، ولا التولية في الطعام لمن ابتاعه قبل أن يقبضه ، فإن الشركة ، والتولية بيع من البيوع .

                                                                                                                        29267 - وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه .

                                                                                                                        29268 - وستأتي هذه المسألة في بابها - إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        [ ص: 63 ] 29269 - وأما قوله : أنزلوه على وجه المعروف ، قال : المعروف عند غيره من العلماء ليس بمعارضة ، ولا بدل في غيره ، وإنما هو إحسان لا عوض منه إلا الشكر والأجر .

                                                                                                                        29270 - وأما السلف الذي هو القرض ، فقد وردت السنة المجتمع عليها فيه أن خير الناس أحسنهم قضاء ، وأن الزيادة فيه إذا اشترطت ربا ، وليس هكذا سبيل البيوع ، والعرايا بيع مخصوص في مقدار لا يتعدى .

                                                                                                                        29271 - وقد أنكروا على أبي حنيفة إذ لم يجعلها من البيوع .

                                                                                                                        29272 - وقد مضى ما للعلماء في العرايا ، مما أغنى عن تكراره هاهنا ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية