الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

                                                                                        ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        4558 - وقال أبو يعلى : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا محمد بن بكر البرساني ، قال : قال أبو عاصم الحبطي ، وكان من خيار أهل البصرة ، وكان من أصحاب حرم وسالم بن أبي مطيع ، قال : ثنا بكر بن خنيس ، عن ضرار بن عمرو ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، عن تميم الداري رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول الله تبارك وتعالى لملك الموت : انطلق إلى وليي ، فأتني به ، فإني قد جربته بالسراء والضراء ، فوجدته حيث أحب ، ائتني به ، فلأريحنه ، قال : فينطلق إليه ملك الموت ، ومعه خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من الجنة ، ومعهم ضبائر الريحان ، أصل الريحانة واحد ، وفي رأسها عشرون لونا ، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ، معهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر ، قال : فيجلس ملك الموت عند رأسه ، وتحفه الملائكة ، ويضع كل منهم يده على عضو من أعضائه ، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر من تحت ذقنه ، ويفتح له باب إلى الجنة ، فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة ، مرة بأزواجها ، ومرة بكسوتها ، ومرة بثمارها ، كما يعلل الصبي أهله إذا بكى ، وإن أزواجه لينهسنه عند ذلك انتهاسا ، وقال : وتبرز الروح ، ( قال البرساني : يريد الخروج سرعة ، لما يرى مما يحب ) ، قال : ويقول ملك الموت : اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود ، وطلح منضود ، وظل ممدود ، وماء مسكوب ، قال : وملك الموت أشد به لطفا من الوالدة بولدها ، يعرف أن ذلك الروح حبيب إلى ربه ، فهو يلتمس لطفه تحببا لربه ، ورضا للرب عنه ، فتسل روحه كما تسل الشعرة [ ص: 540 ] من العجين ، قال : وقال الله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، وقال عز وجل : فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم ، قال : ( روح ) من جهد الموت ، وريحان يتلقى به ، ( وجنة نعيم ) تقابله قال : فإذا قبض ملك الموت روحه ، قال الروح للجسد : جزاك الله عني خيرا ، فقد كنت سريعا بي إلى طاعة الله تعالى ، بطيئا بي عن معصية الله عز وجل ، فقد نجيت فأنجيت ، قال : ويقول الجسد للروح مثل ذلك ، قال : وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله تعالى فيها ، وكل باب من السماء يصعد منه عمله ، وينزل منه رزقه أربعين سنة .

                                                                                        قال : فإذا قبض ملك الموت روحه أقام الخمسمائة من الملائكة عند جسده ، فلا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة قبلهم ، وعلته بأكفان قبل أكفان بني آدم ، وحنوط قبل حنوط بني آدم ، ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة ، يستقبلونه بالاستغفار ، قال : فيصيح عند ذلك إبليس صيحة يتصدع منها عظام بعض جسده ، ويقول لجنوده : الويل لكم كيف خلص هذا العبد منكم ؟ قال : فيقولون : هذا العبد كان معصوما ، قال : فإذا صعد الملك بروحه إلى السماء استقبله جبريل عليه الصلاة والسلام في سبعين ألفا من الملائكة ، كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه ، قال : فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش ، خر الروح ساجدا ، فيقول الله تبارك وتعالى لملك الموت : انطلق بروح عبدي هذا ، فضعه في سدر مخضود ، وطلح منضود ، وظل ممدود ، وماء مسكوب .

                                                                                        قال : فإذا وضع في قبره جاءته الصلاة ، فكانت عن يمينه ، وجاءه الصيام فكان عن يساره ، وجاءه القرآن والذكر فكانا عند رأسه ، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجله ، وجاءه الصبر فكان في ناحية القبر ، [ ص: 541 ] قال : فيبعث الله تعالى عذابا من العذاب ، فيأتيه عن يمينه ، فتقول الصلاة : وراءك ، والله ما زال دائبا عمره كله ، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره ، قال : فيأتيه عن يساره ، فيقول الصيام مثل ذلك ، ثم يأتيه من عند رأسه ، فيقول القرآن والذكر مثل ذلك ، ثم يأتيه من عند رجله فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك ، قال : فلا يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل يجد مساغا إلا وجد ولي الله تعالى قد أحد حسه ، قال : فيندفع العذاب عند ذلك فيخرج ، ويقول الصبر لسائر الأعمال : أما أنا لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم ، فإن عجزتم كنت أنا صاحبه ، فأما إذا أجزأتم عنه ، فأنا له ذخر عند الصراط والميزان .

                                                                                        قال : ويبعث الله تعالى ملكين ، أبصارهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف ، وأنيابهما كالصياصي ، وأنفاسهما كاللهب ، يطآن في أشعارهما بين منكب كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة ، يقال لهما : منكر ونكير ، في يد كل واحد منهما مطرقة ، لو اجتمع عليهما ربيعة ومضر لم يقلوها ، قال : فيقولان له : اجلس ، قال : فيستوي جالسا ، وتقع أكفانه في حقويه ، قال : فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما نبيك ؟ قالوا : يا رسول الله ومن يطيق الكلام عند ذلك ، وأنت تصف من الملكين ما تصف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ، قال : فيقول : الله ربي وحده لا شريك له ، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، قال : فيقولان : صدقت ، قال : فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه أربعين ذراعا ، ومن خلفه أربعين ذراعا ، وعن يمينه أربعين ذراعا ، وعن [ ص: 542 ] شماله أربعين ذراعا ، ومن عند رأسه أربعين ذراعا ، قال : فيوسعان أربعين ذراعا ، ( قال البرساني : وأحسبه قال ) : وأربعين تحاط به .

                                                                                        ثم يقولان له : انظر فوقك ، قال : فينظر فوقه ، فإذا باب مفتوح إلى الجنة ، فيقولان له : يا ولي الله هذا منزلك إذ أطعت الله تعالى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، إنه يصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدا ، ثم يقال له : انظر تحتك ، فينظر تحته ، فإذا باب مفتوح إلى النار ، فيقولان له : يا ولي الله هذا منزلك لو عصيت الله ، فنجوت ، أخرها عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا يزيد أبدا ، قال : وقالت عائشة رضي الله عنها : يفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة ، يأتيه ريحها ، وبردها ، حتى يبعثه الله تبارك وتعالى .

                                                                                        وهذا الإسناد إلى أنس بن مالك ، عن تميم الداري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول الله تبارك وتعالى لملك الموت : انطلق إلى عدوي فأتني به ، فإني قد بسطت له من رزقي وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي ، فأتني به لأنتقم منه ، قال : فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة رآها أحد من الناس قط ، له اثنا عشر عينا ، ومعه سفود من حديد كثير الشوك ، ومعه خمسمائة من الملائكة ، معهم نحاس وجمر من جمر جهنم ، ومعهم سياط من نار ، لينها لين السياط وهي نار تأجج ، قال : فيضربه ملك الموت بذلك [ ص: 543 ] السفود ضربة تغيب أصل كل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعرق وظفر ، ثم يلويه ليا شديدا ، فينزع روحه من أظفار قدميه ، فيلقيها في عقبيه ، قال : فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة ، فيروح ملك الموت عنه ، فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، ثم تنثره الملائكة نثرة ، فتنزع روحه من عقبيه ، فيلقيها في ركبتيه ، ثم يسكر عدو الله عز وجل سكرة عند ذلك ، فيرفه ملك الموت عنه ، قال : فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، فينثره ملك الموت نثرة ، فتنتزع روحه من ركبتيه ، فيلقيها في حقويه ، قال : فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة ، فيرفه ملك الموت عنه ، فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط ، قال : فكذلك إلى صدره إلى حلقه ، فتبسط الملائكة النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه ، ويقول ملك الموت : اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى سموم جهنم ، وظل من يحموم لا بارد ولا كريم .

                                                                                        قال : فإذا قبض ملك الموت روحه ، قال الروح للجسد : جزاك الله عني شرا ، قد كنت بطيئا بي عن طاعة الله تعالى ، سريعا بي إلى معصية الله عز وجل ، وقد هلكت وأهلكت ، قال : ويقول الجسد للروح مثل ذلك ، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عز وجل عليها ، قال : وينطلق [ ص: 544 ] جنود إبليس يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من ولد آدم النار ، فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، وتدخل اليمنى في اليسرى ، ( وتدخل ) اليسرى في اليمنى ، فيبعث الله تعالى إليه أفاعي كأعناق الإبل ، يأخذونه بأرنبته ، وإبهامي قدميه ، فتقرضه حتى يلتقين في وسطه ، ويبعث الله تعالى بملكين أبصارهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف ، وأنيابهما كالصياصي ، وأنفاسهما كاللهب ، يطآن في شعورهما ، بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة ، يقال لهما : منكر ونكير ، في يد كل واحد منهما مطرقة ، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها ، قال : فيقولان له : اجلس ، قال : فيجلس ، فيستوي جالسا ، وتقع أكفانه إلى حقويه ، قال : فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا تليت ، قال : فيضربانه ضربة يطير شرارها في قبره ، ثم يعودان ، فيقولان له : انظر فوقك ، فينظر فإذا باب مفتوح من الجنة ، فيقولان له : عدو الله هذا منزلك لو كنت أطعت الله عز وجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا يزيد أبدا ، قال : فيقولان له : انظر تحتك ، فينظر ، فإذا باب مفتوح إلى النار ، [ ص: 545 ] فيقولان : عدو الله هذا منزلك إذ عصيت الله عز وجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة ولا تزيد أبدا .

                                                                                        وقالت عائشة رضي الله عنها : ويفتح له سبعة وسبعون بابا إلى النار ، يأتيه حرها وسمومها ، حتى يبعثه الله تبارك وتعالى إليها .


                                                                                        هذا حديث عجيب السياق ، وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء رضي الله عنه الطويل المشهور ، ولكن هذا الإسناد غريب ، لا نعرف أحدا روى عن أنس ، عن تميم الداري رضي الله عنهما إلا من هذا الوجه ، ويزيد الرقاشي سيئ الحفظ جدا ، كثير المناكير ، كان لا يضبط الإسناد ، فيلزق بأنس رضي الله عنه كل شيء يسمعه من غيره ، ودونه أيضا من هو مثله ، أو أشد ضعفا .

                                                                                        ( 216 ) وقد تقدم حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الأشراط .

                                                                                        [ ص: 546 ] [ ص: 547 ] [ ص: 548 ] [ ص: 549 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية