الجانب الذي استفاد منه الإسلام من حركة الاستعمار
وفي مرحلة متأخرة، فهم المستعمر أنه رغم انتصاره العسكري، ونفيه وتنكيله بزعماء المسلمين، لم يتمكن من احتلال قلوب الشعب [ ص: 92 ] السنغالي، وأنه لن ينجح في توطيد سلطانه وسلطاته دون الاستعانة بفئات ذات نفوذ في المجتمع السنغالي، خصوصا وأن اختفاء القيادة الأرواحية لم يفض إلى بروز زعامة جديدة في محيط الأهلية، لأن هـذه الأخيرة، كما يقول " بول مارتي " :
" قد أفل نجمها بقوة حقيقة الإسلام وبمزايا ونزاهة الشيوخ " بل نجم من سيطرة فرنسا على البلاد: التفاف العامة حول الزعامات الدينية الإسلامية، لا سميا وأن الغزو الاستعماري أشبه إلى حد بعيد نظام وأسلوب (تيدو ) من حيث إشعال النار في القرى، وتعذيب المقاومين، وإتلاف المحصولات، مما جعل الشعب يضمر البغض للمستعمر؛ ولكي تصل الإدارة الأجنبية إلى مرماها، وتحقق هـدفها، تظاهرت بالمرونة أحيانا، فتقربت إلى بعض المسلمين للاستعانة بهم في إدارة مناطق وأقاليم غير إسلامية، وكانت في ذلك مضطرة، لأن المسلمين كانوا يقومون بدور الترجمان، فضلا عن أن " الزعيم المسلم كان ذا نفوذ، ويلبس على شاكلة القائد الجزائري، فهو فارس ماهر، يحيط به الجنود الحرس والحاشية؛ أما الزعيم الوثنية -إلا ما ندر- فشخصية غامضة " [1] .
فعبر الموظف، سواء على رأس المقاطعات أو في المصالح الإدارية الأخرى، استطاع الإسلام أن ينفذ إلى مناطق لم يكن قد وصلها من قبل، وساهم تطور وتوفر وسائط المواصلات وسهولة الاتصالات، وإضافة إلى ظهور المراكز الحضارية والتجارية والقرى الفلاحية وحركة (سورغا ) في عملية انتشار الإسلام. [ ص: 93 ]