درس للأجيال ** كلنا يعرف أن معركة التعليم الإسلامي التي خاضها العلماء لحمايته وإقرار الأوضاع الأساسية التي يقوم عليها، وتطويره والاعتراف بجامعيته واستقلاله.. كانت السبب وراء قيام رابطة علماء المغرب التي تترأسونها، كيف تم ذلك حتى تكون التجربة درسا للأجيال؟ [ ص: 115 ]
إن النجاح الذي حققناه في معركة إعادة الاعتبار للقرويين علمنا أن مواجهة المشكلات على انفراد وبصورة شخصية لا ينفع ولا يجدي.
وقد كانت هـناك عدة جمعيات للعلماء في المدن المختلفة، في فاس والرباط والدار البيضاء وسلا ومراكش وغيرها، وكانت كل جمعية قائمة بذاتها ومستقلة استقلالا كاملا عن بقية الجمعيات.
وفي مؤتمر الرباط الشهير (سبتمبر 1960م) تكتلت هـذه الجمعيات في جمعية واحدة سميت بـ (رابطة علماء المغرب) التي ولدت بهدف: الاهتمام بمسألة التعليم الإسلامي وحمايته وإقرار الأوضاع الأساسية التي يقوم عليها، والمحافظة على الصبغة الإسلامية للبلاد ومقاومة الأفكار المستوردة والدعاوي المنحرفة.
** وما هـي الوسائل التي تنتهجها الرابطة لتحقيق هـذه الأهداف؟
من أهم هـذه الوسائل الدورس العلمية في المساجد، وإلقاء المحاضرات والندوات في الأندية الثقافية، والأحاديث المنظمة عبر أجهزة الإعلام، ومتابعة القرارات الحكومية والسياسية، والإشارة إلى ما نحس بأنه إنحراف عن الخط الإسلامي، والتعاون مع الحركات والجمعيات الإسلامية في الخارج وأذكر منها رابطة العالم الإسلامي والجمعية الشرعية في مصر، وأذكر أن أعضاءها كانوا يؤيدوننا ونحن بدورنا نؤيدهم في قضاياهم.
ومن الوسائل الأساسية أيضا أننا خلال محاولات التعليم ركزنا أساسا على المحافظة على "القرويين" وإحياء المعاهد التي كانت روافد لها بعد أن صدر القرار بتوحيد برامج التعليم الابتدائي وتوحيد مناهجه.. وهو القرار الذي رفضناه بحجة أن التوحيد يكون في الأهداف لا في المناهج، كما أن التنوع في الجامعات والكليات أمر ضروري، وكان المسئولون يواجهوننا بقولهم: إننا شعب واحد، دينه واحد، لا مذاهب ولا نحل، ولذلك لا بد أن يكون تعليمنا موحدا، وكنا نرد بالإصرار على عدم التوحيد، على أساس أن طالب كلية الشريعة ينبغي أن تكون له خلفية عليمة إسلامية تمكنه من الاستمرار في الكلية وهذا ما لا يتوفر إلا في المعاهد الإسلامية.
** وماذا عن حاجة الطلاب في المدارس الرسمية إلى خلفية علمية إسلامية؟ [ ص: 116 ]
لقد طالبنا أيضا بضرورة صبغ التعليم الرسمي بالصبغة الإسلامية والعربية خاصة، وقد نقلت برامج كثيرة في التعليم من برامج بلاد أخرى لا توافقنا في كثير، كما أن اللغة الفرنسية ظلت تلقى العناية والاهتمام والتثبيت على حساب اللغة العربية، ففي أيام الحماية كانت اللغة الفرنسية هـي اللغة الوحيدة بينما اللغة العربية إلى جانبها لغة ثانوية، وبعد الاستقلال تساوت اللغتان، بعض المواد يدرس بالعربية، وبعضها الآخر بالفرنسية، ولكن التي بالفرنسية كانت تحظى باهتمام أكبر، وليس من دليل على ذلك أكثر من أن عدد المعلمين الفرنسيين بالمغرب بلغ تسعة آلاف معلم وهو عدد لم يكن موجودا في أي بلد مستعمر آخر بل هـو أكثر من نصف عدد المعلمين الذي صدرتهم فرنسا إلى الخارج وكان وقتها سبعة عشر ألف معلم.
ولهذا كنا نطلب بإسلامية التعليم وتعريبه منعا لانزلاق المغرب المسلم في هـاوية اللادينية..