الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الاطفال تربويا

        الدكتورة / حصة بنت محمد بن فالح الصغير

        ك- تعويد الطفل مراعاة حقوق الآخرين:

        هناك حقوق اجتماعية يجب أن نرشد الولد إليها، وننشئه عليها، ونأمره بها، حتى يعتاد عليها ويقوم بأدائها خير قيام، ومن أهمها:

        1- حق الأبوين

        فهذا الحق من أهم ما يجب أن يحرص المربي عليه، وهو تعريف الولد بحق والديه عليه وذلك ببرهما وطاعتهما والإحسان إليهما والقيام بخدمتهما والدعاء لهما بعد مماتهما، والرسول صلى الله عليه وسلم وصى بوصايا عدة في بر الوالدين على المربين أن يعلموها أولادهم منذ الصغر حتى يأخذوا بها.

        فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما، يضرب لنا المثل الصالح في الولد البار، ويروي لنا عبد الله بن دينار ذلك فيقول، كما روى [ ص: 165 ] مسلم في صحيحه: ( عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما، أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال: ابن دينار فقلنا له: أصلحك الله، إنهم الأعراب، وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه ) [1] .

        وروى البخاري في الأدب المفرد ( عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال: ترفع للميت بعد موته درجته، فيقول: أي شيء هذا؟ فيقول له: ولدك استغفر لك ) .

        كما روى البخاري في الأدب المفرد ( عن ابن عباس ، رضي الله عنهما، قال: ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسبا إلا فتح الله له بابين، يعني من الجنة، وإن كان واحدا فواحد، وإن غضب أحدهما لم يرضى الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه ) .. فيجب على المربي أن ينشئ ولده على ذلك البر، ويلقنه إياه حتى يتدرج الولد عليه، ويفهم منذ نعومة أظفاره حق الأبوين.

        وإذا كان الولد منذ الصغر يقوم بهذا الحق على الوجه الصحيح الذي يريده الإسلام فإن قيامه بالحقوق الأخرى إزاء الآخرين، من أرحام وجيران [ ص: 166 ] ومعلمين يكون أرغب، لأن فضيلة بر الوالدين هي منبع الفضائل الاجتماعية، فمن السهل على الولد الذي تربى على البر واحترام الأبوين أن يتربى على احترام الجار واحترام الكبير واحترام المعلم واحترام الناس جميعا.

        2- حق الأرحام

        الأرحام هم الذين ترتبط بهم بصلة القرابة والنسب وهم الآباء والأمهات والأجداد والجدات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات وأولاد الأخ وأولاد الأخت والأخوال والخالات ثم من يليهم من الأقرباء الأقرب فالأقرب.

        وسماهم الشرع أرحاما لاشتقاق الرحم من اسم الرحمن، كما أكده النبـي صلى الله عليه وسلم في الحـديث الذي رواه أبو داود والترمذي عن عبد الرحمن بن عوف قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: أنا الرحمن وهي الرحـم شققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته ) .

        فعلى المربي أن يبصر الولد منذ وعيه بحقوق القرابة والرحم لتتأصل في ذاته محبة من تربطه وإياهم رابطة القرابة والنسب، حتى إذا بلغ الولد سن الرشد والنضج العقلي قام بواجب العطف والإحسان إليهم، وهذا لا يتأتى إلا بتأديب الولـد على هذه الخصال وتعويده على هاتيك الفضائل والمكارم؛

        قال تعالى: ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) (النساء: 1). [ ص: 167 ]

        وإليكم أيها المربون أفضل الثمرات في صلة الرحم، أرشد إليها المربي الأول صلى الله عليه وسلم علموها أولادكم ولقنوها لمن كان له حق التربية عليكم:

        - أن صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر.

        - أنها تزيد في العمر وتوسع في الرزق.

        - أنها تعمر الديار وتثمر الأموال.

        - أنها تغفر الذنوب وتكفر الخطايا.

        - تيسر سبيل الحساب وتدخل صاحبها الجنة.

        - ترفع الواصل إلى الدرجات العلى يوم القيامة.

        3- حق الجار

        من الحقوق التي يجب أن يهتم المربون بها ويعتنوا بها حق الجار.. وحقوق الجار في نظر الإسلام ترجع إلى أربعة أصول هي: ألا يلحق الرجل بجاره أذى، وأن يحميه ممن يريده بسوء، وأن يعامله بإحسان، وأن يكف الأذى عنه؛ وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم إكرام الجار من خصال الإيمان فقال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) [2] .

        وقال تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) (النساء: 1). [ ص: 168 ]

        ومما يؤكد هذه الحقوق للجار القريب والجار البعيد ما رواه الطبراني عن جابر ، رضي الله عنه، قال: ( الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك، وجار له حقان وهو المسلم: له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق: مسلم له رحم، فله حق الجوار وحق الإسلام والرحم ) .

        قال مجاهد : كنت عند عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما، وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام، إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي -حتى قال ذلك مرارا- لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) [3] .

        فعلى المربين أن يسعوا جهدهم في تخليق الولد منذ التمييز على فضيلة حسن الجوار ومراعاة حقوق الجار، حتى إذا بلغ السن الذي تؤهله لأن يتعامل مع الآخرين ويساكنهم ويكون بجوارهم كف الأذى عنهم وحماهم من كل ظلم واعتداء، وواصلهم بالبر والإحسان؛ ولا شك أن الولد حينما يتخلق على هذه الخصال الكريمة منذ الصغر +تنمو في نفسه نزعة التطلع إلى الاجتماع بالآخرين، بل يصبح إنسانا اجتماعيا بكل ما في هذه الكلمة من معنى، بل تتلاشى من نفسيته آفات العزلة والانكماش والانطوائية فيثبت وجوده حيثما كان، ويبرز شخصيته أينما وجد، وما ذاك إلا بفضل من الله ثم بفضل التربية الاجتماعية التي تخلق بها وتدرج عليها. [ ص: 169 ]

        فلينتبه المربون إلى الأسس التي تنمي شخصية الولد وتجعله من أماجد الناس وفضلائهم.

        4- حق المعلم

        من الحقوق الاجتماعية المهمة التي يجب أن ينتـبه لها المربون ويذكروا بها ويلحوا عليها تربية الولد على احترام المعلم وتوقيره والقيام بحقه حتى ينشأ الولد على الأدب الاجتماعي الرفيع تجاه من له عليه حق التعليم والتوجيه والتربية؛ وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم أمام المربين وصايا كريمة وتوجيهات سامية في إكرام العلماء وإجلال المعلمين ليعلم الناس لهم فضلهم وليقوم من كان له شرف التلمذة بحقهم ويلزم التلاميذ الأدب معهم [4] .

        روى أحمد والطبراني والحاكم عن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ) [5] .

        فالعلماء ورثة الأنبياء، واحترامهم وتوقيرهم وخفض الجناح لهم والمسارعة في خدمتهم وعدم رفع الصوت في مجالسهم واللطف في معاشرتهم ولين الجانب لهم... كل ذلك يحتاج لأن يتعوده الطفل.

        وأورد الإمام الغزالي ، رحمه الله، في «الإحياء» قول يحيى بن معاذ في فضل العلماء: «العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم، قيل: [ ص: 170 ] وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة» . وهكذا نجد أهمية الأدب في حضرة العلماء وتوقيرهم، وقد ألفت كتب بهذا الشأن، وقد روى الطبراني عن أبي أمامة ، رضي الله عنه، قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لقمان قال لابنه: يا بني، عليك بمجالسة العلماء، واسمع كلام الحكماء، فإن الله يحي القلب الميت بنور الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل المطر ) [6] .

        ونلاحظ أدب الطفل الصحابي سمرة بن جندب في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدبه في مجلسه، فقد أخرج البخاري ومسلم ( عن أبي سعيد ، سمرة بن جندب، رضي الله عنه، قال: لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالا هم أسن مني ) [7] .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية