الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الثالث

        ثمرات التربية الناجحة

        يكاد يجمع علماء التربية على أن التربية الإسلامية الناجحة التي تؤثر تأثيرا كبيرا في سعادة الفرد والمجتمع وتماسك بنيانه هي التي تقوم على الدعائم الآتية:

        1- تقوية شخصية الطفل، بحيث يجد في جو البيت ما ينمي مواهبه ويصقلها ويعدها للبناء والإفادة.

        2- تنمية الجرأة الأدبية في نفس الطفل، بحيث يعيش شجاعا صريحا جريئا في آرائه في حدود النظام والخير والأدب الإنساني الكريم.

        3- تقوية روح التعاون والحب في نفسه نحو إخوانه في المجتمع، حتى يكون من رواد التكافل الاجتماعي في كل ما يعود على الأمة بالقوة والكرامة والأمن والسلام.

        تلك هي دعائم التربية الصحيحة في البيوت، وبمقدار ما تتوفر للناشئة في أوسع مدى يكون وضع الأمة الاجتماعي والسياسي والديني والخلقي والاقتصادي سليما متماسكا، يتعاون بعضه مع بعض على صيانة المجتمع من الضعف والانهيار [1] . [ ص: 194 ]

        فهل تسلك بيوتنا السبيل الصحيح المؤدي إلى هذه التربية المثالية، وهل يقوم الآباء والأمهات بواجبهم نحو أولادهم في ميدان التربية والتوجيه السديد؟!! فإن أول ما يلاحظ على تربيتنا في البيوت سوء فهم نفسية الطفل، وتجاهل عواطفه، وعدم تقدير المراحل التي لا بد من أن يمر بها حتى يصبح رجلا.

        4- تنمية الرقابة الذاتية للطفـل، التي لا تتحقـق من فراغ بل لا بد لها من قدوة صالحة تتمثل في الأسرة والمدرسة والمسجد.. والأسرة هي النواة الأولى للمجتمع وذات اليد الطولى في تنشئة الطفل وتدريبه على الرقابة الذاتية الفاعلة والقادرة على تسليح الطفل بأقوى أسلحة الحماية من الهوى والضلال والتي تمنحه ميزان التقوى الذي يزن به أمور حياته، ولا بد أن تنطلق رسالة تلك الأسرة من مبدأ المودة والرحمة والالتزام بطاعة الله والمسئولية المشتركة، ولا بد أن يكون رب الأسرة مستقيما يحافظ على دينه وخلقه وعمله وعلى تربية أبنائه وتماسك أسرته وضمان سيرها على جادة الصواب؛ لأن من شب على شيء شاب عليه، فلا بد أن يشب الأبناء على تقوى الله، وتحصينهم من التيارات الوافدة الفاسدة لتنمو ذاتهم صافية نقية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ ولنعلم أن تنمية الرقابة الذاتية الفاعلة والإيجابية في أفراد المجتمع لن تتم إلا عن طريق التربية الإسلامية السليمة [2] .

        5- تحقيق الرضا بين الفرد وذاته، أو بينه وبين الآخرين، أو بينه وبين خالقه لنيل رضوانه، وفي شتى جوانب الحياة ليصل إلى سعادة الدارين. [ ص: 195 ]

        6- التربية الإسلامية الناجحة تجعل الإنسان عابدا -والعبادة هي منهاج حياته كلها- تقيا تشع التقوى من وجهه، قويا له في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة قال تعالى: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) (الفتح: 29).

        كما تجعله مرنا يقدر على مواجهة كل موقف بما يليق؛ ومتواضعا قاصدا معتدلا معتزا بنفسه، مستعل في وجه الظلم والعدوان وفي وجه المغريات والشهوات والقيم الزائفة؛ لأنه يملك القيم الحقيقية المستمدة من الله ورسوله؛ ومحبا للناس وداعيا لهم بالخير، كريما ذا مروءة ينفعل بآلام الناس فيسرع إلى نجدتهم ويبذل لهم المعونة ويبذل لهم من جهده وماله،

        قال تعالى: ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ) (البقرة: 177)،

        شخصا متوازنا تلمح الاعتدال في سلوكه وفي فكره وشعوره.

        يشعر بأهميته لأنه مؤمن مهتد إلى القوة الحقيقية في هذا الكون، ومعتز بهذا الإيمان، هذا الهدى يجعله قوة فاعلة في الحياة.

        نظيفا في ثيابه، نظيفا في سلوكه، نظيفا في تعامله مع الناس، وهي نظافات متعددة في كل باب.

        فالخشوع في الصلاة والمحافظة عليها نظافة في التعامل مع الله، ونقاء في السريرة؛ والإعراض عن اللغو نظافة في الفكر والضمير واللسان وصون لها عن الانحرافات؛ والزكاة تنظيف للنفس من شح المال؛ ورعاية الأمانة [ ص: 196 ] نظافة في التعامل مع الناس واستقامة في الطبع وصدق وإخلاص، وكلها من سمات المؤمن الصالح، الذي يربيه الإسلام [3] .

        ناشئا على الدين، والدين منهـج للأخلاق والأخلاق، هي الدين بكل ما فيه وليست خارجة عنه، ومنهج الإسلام في الأخلاق من كتاب الله سبحانه وتعالى المتمثل في سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم، يقـول الله تعالـى:

        ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) (الأحزاب: 21)

        فهو صلى الله عليه وسلم جامع للفضائل، التي هي ترجمان للعقيدة وتعبير واضح حي عن قوة الإيمان، وسائر في مجال التربية على الخط الذي رسمه له الحق جل شأنه في كتابه، ومرب أصحابه على ذلك، ومهتم صلى الله عليه وسلم بالأطفال والشباب والشابات فأحسن توجيههم، حتى كون منهم رجالا ونساء مؤمنين برسالته، شاعرين بمسئولية العبء الملقى على عاتقهم.

        7- أن التربية الإسلامية الناجحة قامت على العقيدة، فهي الأثر البالغ في تقويم الفرد وإصلاحه وإرشاده إلى سبل الخير، ودافعه له لأن يكون مخلصا لله ولوطنه، فبالعقيدة ضمنت سلامة الفرد والمجتمع [4] . [ ص: 197 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية