الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ج- اصطحاب الطفل إلى مجالس الكبار:

        كان الأطفال يحضرون مجـالس النبي صلى الله عليه وسلم وكان آباؤهم يأخذونـهم إلى تلك المجالس الطيبـة، فهذا عمر يصحب ابنه إلى مجلس رسول الله، أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر ، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا تحت ورقها، فوقع في نفسي أنها النخلة، فكرهت أن أتكلم وثم أبو بكر وعمر، فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة، فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة، قال: مـا منعك أن تقولها، لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا، قال: ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت.. وفي رواية: فإذا أنا أصغر القوم فسكت ) [1] .

        ففي أخذ الطفل إلى مجالس الكبار تظهر نواقصه واحتياجاته، فيستطيع المربي عند ذلك توجيهه نحو الكمال، ويشجعه على الجواب عندما يطرح [ ص: 140 ] سؤال، فيتكلم بعد استئذان وذلك بكل أدب ووقار فيتكلم معهم ويتلقح عقله وتتهذب نفسه، ويتعرف إلى أحاديث الكبار شيئا فشيئا فيتهيأ لدخول المجتمع.

        وفي حديث ابن عمر محبة عمر الخير لنفسه ولولده، وظهور فضيلة الولد في الفهم في صغره، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة، ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم [2] .

        وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينبه الرجال إلى أدب المجلس عندما يحضره الأطفال، روى الطبراني عن سهل بن سعد قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجلس بين الرجل وابنه في المجلس ) . كما كان صلى الله عليه وسلم ليصحب الأطفال معه في الطريق ويركب معهم على الدابة.

        وروى ابن سعـد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردوية وأبو نعيم عن ابن عباس ، رضي الله عنهما، قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال له عبد الرحمن بن عوف : لم تدخل هذا الفتى معنا؟ ولنا أبناء مثله؟

        فقال: إنه ممن قد علمتهم، فدعاهم ذات يوم ودعاني وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال:

        ما تقولون في قوله تعالى: ( إذا جاء نصر الله والفتح ) حتى ختم السورة؟

        فقال بعضهم: أمرنا الله أن نحمده ونستغفره إذا جاء نصر الله وفتح علينا، وقال بعضنا: لا ندري، وبعضهم لم يقل شيئا، فقال لي: يا ابن عباس: أكذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو [ ص: 141 ] أجل رسـول الله صلى الله عليه وسلم أعلمـه الله إذا جـاء نصر الله والفتـح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا والفتح: فتح مكة ، فذلك علامة أجلك

        ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .. فقـال عمـر: ما أعلم منها إلا ما تعلم؛ قال المهاجرون لعمـر: "ادع أبناءنا كما تدعو ابن عباس، قال: ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا " [3] [4] .

        هكذا جلس السلف الصالح مع الأطفال ينقلون إليهم التوجيهات العمرية المفيدة ليكونوا شخصية فذة في مستقبل حياتهم وأداة تأثير فاعلة فيه.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية