الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        س- تعويد الطفل تحمل المسئولية:

        إن تدريب الابن على تحمل المسئولية ومساعدته في ذلك تزيد من ثقته بنفسه وبخاصة في تحمل المسئولية وإن كانت بسيطة، فتدفعه إلى بذل المزيد [ ص: 173 ] من الجهد والعطاء من أجل النجاح؛ والمسئولية تغرس في نفس الطفل منذ الصغر بتعويده تناول طعامه بنفسه إلى ارتداء وخلع ملابسه وترتيب حجرته وسريره إلى قضاء بعض الحاجات البسيطة مع إعطائه الفرصة في حل مشكلاته البسيطة بنفسه وجعله يتحمل تبعات أخطائه وإصلاحها، مع التقليل والتخفيف من اعتماد الابن على غيره حتى والديه، وهذه أول خطوة له في طريق النجاح في الحياة، فكلما قلل الابن من الاعتماد على غيره مبكرا واعتمد على نفسه كان نجاحه في الحياة مبكرا، مع الأخذ في الاعتبار أن التعاون مع الآخرين في الحدود المطلوبة هو ما يجب غرسه ودعمه في نفس الأبناء، والعكس من ذلك لا يثمر إلا طفلا كبيرا في ثياب رجل يفشل في حل أبسط المشكلات التي تواجهه مستقبلا.

        فلنمنح الابن الحرية مع التوجيه والمساعدة فيما يحتاج حتى يسلك سلوك الراشدين الكبار وتنمو ثقته بنفسه [1] ، ولنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في تحمل الأدوار الصعبة والمسئوليات الكبيرة وهم صبيان.

        فقد أسلم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه، وهو ما يزال صبيا في بدء الإسلام، بل هو أول من أسلم من الصبيان، وأدرك أن المرحلة التي كان يعيشها من تاريخ الدعوة تقتضي منه أن يسهم في حمل أعباء الدعوة ويشارك في البلاغ.

        ومن المواقف التي وقفها، رضي الله عنه، ما يرويه لنا أبو ذر ، رضي الله عنه، في قصة إسلامه حين سـأل عليا، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 174 ] له علي: ( فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه ) [2] .

        لقد كان علي ، رضي الله عنه، يدرك خطورة هذا الموقف وهذا العمل؛ وهنا مثال آخر يدل على تولي شباب الصحابة المهام، فعن أنس ، رضي الله عنه، ( أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها، فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا ) .

        وفي رواية: ( وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم ) [3] .. فهل تظن أن دلالة هذا الحدث تقف عند مجرد تعويدهم وتربيتهم على المشاركة الفعالة في قضايا مجتمعهم؟ أم أنها تتجاوز ذلك لتدل على الثقة بهم في مثل هذه المواقف الحاسمة؟ فما أجدر المربين اليوم أن يقفوا طويلا عند هذه المواقف ليدركوا سرا من أسرار نجاح ذلك الجيل المبارك [4] . [ ص: 175 ]

        ونجد أن الحنان والرعاية هما السبيل إلى تعليم المسئولية، وأن الوالدين يمكنهما تحقيق ذلك بمجرد تقبيل الطفل ومعانقته وتوفير الغذاء والدفء له ومصابرته وحمايته من الخوف والضر والغضب، ولكن الواقع أن هذا النوع من العناية هو الأساس الذي يقوم عليه كل سلوك تتمثل فيه جوانب المسئولية.

        والتنمية الحقة للشعور بالمسئولية متدرجة من الوسائل البسيطة، في البداية تستلزم وجود مستودع هائل من الشعور الطيب لدى الأطفال مع رصيد من الحب في أعماق نفوسهم، فالطفل يتعلم أن يكون محبا لغيره من معيشته من البداية في ظل رعاية تقوم على الحب.

        والمعروف أن الذين يشعرون بالمسئولية الحقة يكون الحب دائما أساس علاقاتـهم بغيرهم، أما الذين يميلون إلى العداوة وتنطوي نفوسهم على المرارة وإيذاء (الغير) فهؤلاء يكونون عادة مشغولين بأحاسيسهم الخاصة لدرجة تصرفهم عن تحمل المسئولية الحقة حيال أنفسهم وحيال غيرهم؛ وهكذا نجد الأطفال يتوجهون نحو الحب والتعاطف أو عكسهما في سني حياتهم الأولى [5] .

        ومما يعين على تحمل الأطفال المسئولية احترام شخصياتهم وإشعارهم بالثقة في أنفسهم، روى مسلم عن سهل بن سعد الساعدي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك [ ص: 176 ] أحدا ) .. وهكذا يعتاد الطفل الجرأة الأدبية، وينشأ بعيدا عن الانهزامية والجبن وفيه قوة رأي وحجة فهم.

        إذن ما معنى أن نعلم أبناءنا المسئولية، المسئولية هنا تعني النضج، بمعنى أن الطفل يكون مسئولا تجاه الأسرة ونحو نفسه وتجاه المجتمع، وتعني أن تكون مسئولية عن كافة جوانب حياتنا وأوضاعنا، والأفضل أن يتعلم الأطفال المسئولية تجاه آبائهم بالطاعة وتجاه المجتمع ويعملون من أجله ثم تجاه أنفسهم بالتهذيب [6] .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية