الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ز- تعويد الطفل على الصدق:

        خلق الصدق أصل مهم من أصول الأخلاق الإسلامية، التي تحتاج إلى جهد لتركيزها وتثبيتها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم بتثبيت هذا الخلق في الطفل وهو يراقب تصرفات الوالدين مع الطفل وذلك لتجنب وقوع الوالدين في رذيلة الكذب على الطفل، ويضع قاعدة عامة: أن الطفل إنسان له حقوقه في التعامل الإنساني، ولا يجوز للوالدين خداعه بأية وسيلة كانت، واللامبالاة في التعامل معه، أخرج أبو داود عن عبد الله بن عامر قال: ( دعتني أمي يوما ورسـول الله صلى الله عليه وسلم قاعـد في بيتنا. قـالت: تعـال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة ) . [ ص: 147 ]

        وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة ) [1] ، وأخرج الترمذي عن أبي الحوراء السعدي قال: قلت: للحسن بن علي : ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حفظـت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك: فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة ) [2] .

        وقد اهتم السلف بتركيز هذا الخلق الذي يتفرع عنه الصدق في الموعد سواء وعد الكبار للصغار أو وعد الأطفال مع بعضهم بعضا؛ روى الإمام السمعاني عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله ، رضي الله عنه، أنه قال: ( إياكم والروايا روايا الكذب فإن الكذب لا يصلح بالجد والهزل، ولا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له ) [3] .

        وروي كذلك عن يحيى ، قال سليمان بن داود لابنه: «يا بني إذا وعدت فلا تخلف، فتستبدل بالمودة بغضا» منهج التربية النبوية للطفل، مرجع سابق، ص 158. .

        إن تربية الصدق في نفس الولد وكل مسلم، رجل أو امرأة، تؤدي إلى ضبط السلوك الفردي فتكفه عن الألفاظ والأعمال، التي لا يقبلها المجتمع المسلم، كما تشجعه على القول السديد لكي يعيش في أمن مع أفراد مجتمعه [ ص: 148 ] ويكتسب محبتهم واحترامهم؛ والقرآن الكريم يبين أن الصدق دعامة أساس للخلق الفاضل والمجتمع الفاضل، كما أن الصدق دعامة أساس لنهضة المجتمع وتقدمه وتماسكه، فإن تحري الصـدق في جميع المواقف يدفع عن المجتمع المسـلم غائلة الظنـون لتبقى الحقـائق راسخـة لا يغشاها ظن أو ريب ما دامت عادة الصدق تسـود سلوك أفراده،

        قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (الحجرات: 6).

        فالإسلام لا يؤسس أحكامه على الظن الواهم، بل يحتم وضوح الحقائق، وهو بهذا يرسي للمجتمـع الإنساني الأسس التربوية والأخلاقية التي تضمن أن تسـير فيه الحياة في ثبات واستـقرار.. إن عادة الصدق دعامة أسـاس في خـلق الولد المسـلم، وصبغـة دائمـة ثابتة في سلوكه، وعلامة على قوة إيمانه ويقينه؛ ولما كان الكذب رذيلة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس كل كذاب أشر كما تنبئ عن سلوك معوج شاذ وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التحلي بعادة الصدق ويحرص عليها ويرشد إلى أسس تربيتها، كما يحذر من الكذب وينفر منه لتتكون عادة كراهية الكذب فتكون عاملا مساعدا لتربية عادة الصدق في نفوس أفراد المجتمع المسلم، ذلك أن المجتمع الذي تسود فيه عادة الصدق تقوى فيه الروابط الاجتماعية وتحفظ الحقوق وتصان العهود، ومن هنا تظهر حاجة المجتمعات إلى تربية عادة الصدق والعمل على تنميتها. [ ص: 149 ]

        روى الإمـام مسـلم عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الصدق بر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن العبد ليتحرى الصـدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكـذب فجور وإن الفجـور يهدي إلى النار، وإن العبـد ليتحرى الكـذب حتى يكتب كذابا ) [4] .

        فالبر كلمة جامعة لأبواب الخير والفضل، فهو جامع لأصول الدين كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وجامع للفرائض كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم، وجامع للمندوبات والسنن كبذل المال في وجوه الخير لليتامي والمساكين، وجامع لمبادئ الإسلام وآدابه العليا كالوفاء بالعهد والصبر عند البأساء والضراء وحين البأس.

        إن خلق الصدق في حياة الإنسان قابل للاكتساب، قابل للتنمية والترسيخ عن طريق التدريب العملي والتعويد المقترن بالإرادة الجازمة، فمن مظاهر الإرادة الجازمة تحري الصدق في الأقوال كلها، والذي يتحرى الصدق لا يسمح لنفسه بأن يلقي كلاما دون ترو ولا بصيرة، ولا يسمح لنفسه بأن يتبع ما ليس له به علم فيحكم بالظنون، التي ليس لها ما يؤيدها من الأدلـة الكافية للإثبات والنفي، ولا يسمح لنفسـه بأن يرائي أو ينافق في أعماله؛ لأنه يحرص على الصدق ويتحرى بإرادته الجازمة الصدق في أقواله وأعماله. [ ص: 150 ]

        وفي الحديث الشريف تحذير من عادة الكذب وتنفير منه، فليحذر الابن من الكذب ولينفر منه؛ ويلاحظ أن اقتران عادة الصدق مع الكذب وعرضهما بهذه الصورة دعوة إلى تربية عادتين في وقت واحد وهما تربية عادة محبة الصدق وعادة كراهية الكذب [5] .

        ولقد امتدح الله سبحانه وتعالى الصدق في محكم التنـزيل في مواضع كثيرة،

        منها قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) (التوبة: 119)،

        وقـوله تعالى: ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) (الأحزاب: 23).

        التالي السابق


        الخدمات العلمية