الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ي - تعويد الطفل على سلامة الصدر وترك الأحقاد:

        إن سلامة الصدر من الأحقاد تحقق توازنا نفسيا لدى الإنسان، وتعوده على حب الخير للمجتمع، وتطلق عنان قوة الخير للنفس البشرية إلى أعلى قممها، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم نداء إلى الطفل الناشيء أنس بن مالك أن يغسل أدران نفسه صباحا ومساء فيسامح من أساء إليه ويفرغ قبله من أي بقايا من وساوس الشيطان ونفثه في الرءوس والنفوس، فلنسمع سويا إلى هذا النداء العجيب العظيم: [ ص: 153 ]

        أخرج الترمذي ، وقال: حديث حسن غريب ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال لي: يا بني، وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة ) . فالجنة والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن استطاع أن يكون قلبه سليما من الغش والحقـد والحسـد واللوم، فالحسـد ظـاهرة اجتماعية خطيرة، إن لم يعالجها المربون في أطفالهم ستؤدي إلى نتائج سيئة وآثار خطيرة، فيجب على كل من يقوم بمسئولية التربية أن يعالج الحسد بالحكمة والتربية القويمة، ويعالج الأسباب التي تؤجج نار الغيرة والحسد في نفوس الأطفال؛ والإسلام عالج ظاهرة الحسد بمبادئ تربوية حكيمة لو أخذ المربون بأسبابها اليوم لنشأ الأولاد على المودة، والإيثار، والمحبة، والصفاء، ولأضمروا كل تعاون وتعاطف بينهم وكذلك بالنسبة للآخرين.

        وتتجسد هذه المبادئ التربوية لعلاج الحسد في عدة أمور، منها:

        1- إشعار الطفل بالمحبة:

        فقـد روى الترمـذي وغـيره عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين ، رضي الله عنهما، عليهما قميصـان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال:

        صدق [ ص: 154 ] الله ( أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) (الأنفال: 28)

        فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما )
        .

        وكان، عليه الصلاة والسلام، يداعب الحسن والحسين ، رضي الله عنهما، فيمشي على يديه وركبتيه ويتعلقان به من الجانبين فيمشي بهما ويقول: ( نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما ) .

        وروى البخاري عن عائشة ، رضي الله عنها، قالت: ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ) .

        وروى مسلم عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: ( جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار ) .

        ينبغي إشعار الطفل بأنه محبوب وأنه محل عناية وعطف، وهذا ما كان يوجه إليه المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث، ولينهج المربون طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إشعار الطفل بالمحبة إن أرادوا تكوين شخصيات أطفالهم على الحب والتعاون والإيثار وتحريرهم من الحقد والأثرة والأنانية. [ ص: 155 ]

        فالعاطفة تشكل مساحة واسعة في نفس الطفل الناشئ، فهي تكون نفسه وتبني شخصيته، فإن أخذها بشكل متوازن كان إنسانا سويا في مستقبله وفي حياته كلها، وإن أخذها بغير ذلك من الزيادة أو النقصان تشكلت لديه عقد لا تحمد عقباها، فالزيادة تجعله مدللا لا يقوم بتكاليف الحياة، ونقصانهما تجعـله إنسانا عنيفا قاسيا على كل من حوله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النموذج الحي الذي يرأف بالأطفال ويقبلهم ويمازحهم ويرحمهم ويعتني بهم عناية خاصة ويبني فيهم العاطفة، بذلك يكون الطفل إنسانا سويا في مستقبله، لأن هذه القبلة وهذه الرأفة والرحمة دليل على رحمة القلب بهذا الطفل الناشئ، وهي برهان على تواضع الكبير للصغير، وهي النور الذي يشرح نفس الطفل ويزيد تفاعله مع من حوله، ثم هي أولا وأخيرا السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في الأطفال، فقد كان أرحم الناس بالصبيان العيال، وهذه الرحمة والشفقة صفة من صفات النبوة المحمدية، وهي طريق لدخول الجنة والفوز برضوان الله تعالى.

        ومن صور رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأطفال ما أخرجه البخاري عن أنس ، رضي الله عنه: ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه ) . [ ص: 156 ]

        2- مداعبة وممازحة الطفل:

        إن مداعبة وممازحة الأطفال من الأعمال التي يجب أن يقوم بها الوالدان؛ لأنها واجب تربوي وهم مطالبون بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فعن راشد بن سعد عن يعلي بن مرة أنه قال: ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده فجعل يفرها هنا وهناك فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله، ثم قال: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) [1] .

        وروى البخاري في الأدب المفرد والطبراني عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال: ( سمعت أذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيديه جميعا بكفي الحسن أو الحسين وقدميه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ارقه» قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: افتح فاك ثم قبله، ثم قال: اللهم أحبه فإني أحبه ) [2] .

        وكـان صلى الله عليه وسلم يلاعـب زينب بنت أم سلمـة ويقـول: ( يا زوينب، يا زوينب، مرارا ) [3] .

        وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن أنس ، رضي الله عنه، قال: كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم أحسـن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: [ ص: 157 ] أبو عمير وهو فطيم كان إذا جاءنا قال: ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) لنغر كان يلعب به [4] .

        ففي هذا الحديث جواز الممازحة وتكرير المزاح وفيه ترك التكبر والترفع وأخرج البخاري عن ابن عباس ، رضي الله عنهما، قال: ( لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه ) [5] .

        واقتدى الصحابة، رضوان الله عليهم، برسول الله صلى الله عليه وسلم فسارعوا إلى ممازحة ومداعبة أطفالهم، ينـزلون إلى منازلهم ويتصابون لهم ويلاعبونهم، فقد روى الديلمي وابن عساكر عن أبي سفيان قال: دخلت على معاوية وهو مستلق على ظهره وعلى صدره صبي أو صبيه تناغيه، فقلت: أمط عنك هذا يا أمير المؤمنين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كان له صبي فليتصاب له ) .

        حتى أن عمر ، رضي الله عنه، ليعزل أحد عماله عن الرئاسة لأنه وجد منه دليلا واضحا على قسوة قلبه تجاه أولاده، فعن محمد بن سلام قال: ( استعمل عمر بن الخطاب رجلا على عمل فرأى الرجل عمر يقبل صبيا له، فقال الرجل: أفتقبله وأنت أمير المؤمنـين، لو كنت أنا ما فعلته؟ قال عمر: فما ذنبي إن كان نزع من قلبك الرحمة، إن الله لايرحم من عباده إلا الرحماء.. ونزعه من عمله، فقال: أنت لا ترحم ولدك فكيف ترحم الناس ) . [ ص: 158 ]

        بهـذه المداعبـة والملاعبة والتصـابي ومحاكاة الطفل كان تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، وهو يغذي نفوسهم بهذه العاطفة الصادقة الطيبة بعيدا عن الجفاء والقسوة وعدم إعطاء الطفل حقه.

        كذلك للهدية أثر طيب في النفس البشرية عامة، وفي نفوس الأطفال أكثر تأثيرا وأكبر وقعا، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة للحب بين الناس فنصح الأمة بقوله: ( تهادوا تحابوا ) [6] .

        والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا عمليا هذا الركن القوى في بناء عاطفة الطفل وتحريكها وتوجيهها وتهذيبها؛ أخرج مسلم عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بأول الثمر فيقول: ( اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارنا وفي مدنا وفي صاعنا، بركة مع بركة ) [7] ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان.

        فهذا الحـديث يلاحظ منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف كان يداعب عواطف الأطفال بمسح رءوسهم فيشعرون بلذة الرحمة والحنان والحب والعطف الأمر الذي يشعر الطفل بوجوده وحب الكبار له واهتمامهم به، ( فعن أنس بن مالك ، رضي الله عنه، أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ) [8] . [ ص: 159 ]

        ومن الأمور التي تزرع الثقة في نفس الطفل وتبعده عن الحسد والغيرة وتنمي فيه الحب والحنان حسن استقبـاله؛ لأن اللقاء مع الطفل لا بد منه، فإذا كان اللقاء طيبا استطاع متابعة الحديث وفتح الحوار والتجاوب مع المتكلم فيفتح قلبه وما يدور في خاطره ويعرض مشاكله ويتحدث عن أمانيه، كل هذا إذا أحسن استقبـال الطفل بفرح وحب ومداعبة [9] وهذا ما وجه إليه صلى الله عليه وسلم الأمة، فعن عبد الله بن جعفر قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته؛ قال: وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه، قال: فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة ) [10] .

        3- تحقيق العدل بين الأبناء:

        إن تحقيق العدل بين الأبناء والمساواة بينهم في المعاملة كفيل بإزالة آفات الضغائن والأحقاد من قلوبهم، ولذا أوجب الإسلام العدل بين الأولاد، ونهى عن تفضيل بعضهم على بعض؛ لأن ذلك يفضي بهم إلى العقوق ويفسد ذات البين ويقطع الصلات التي أمر الله بها أن توصل.

        فلا عجب أن نرى المربي الأول، صلوات الله وسلامه عليه، وهو يحض الآباء والمربين جميعا على تحقيق مبدأ العدل بين الأبناء، بل كان، عليه الصلاة والسلام، يستنكر كل الإنكار عدم العدل فيقول: ( اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم ) [11] . [ ص: 160 ]

        بل إنه صلى الله عليه وسلم ليزيد الأمر تأكيدا حتى ينبه إلى العدل حتى في القبلة بين الصبي والبنت. فقد روى البيهقي عن أنس ، رضي الله عنه، ( أن رجلا كان جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بني له فقبله وأجلسه في حجره ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا عدلت بينهما ) [12] .

        فأي منهاج في العالم كله! بل وأي مدرسة تربوية تستطيع أن تنبه إلى العدل في القبلة والجلوس في الحجر والجوار... إنها مشكاة النبوة.. وينبه صلى الله عليه وسلم الآباء والمربين للتسوية في العطاء، والحقيقة الملموسة والمشاهدة حقا هي أن عامل المفاضلة بين الأولاد من أعظم العوامل في انحراف الولد النفسي، سواء أكانت المفاضلة في العطاء أم في المعاملة أم في المحبة.

        فلهذه الظاهرة أسوأ النتائج في انحرافات الولد السلوكية والنفسية؛ لأنها تولد الحسد والكراهية، وتسبب الخوف والحياء والانطواء، وتورث حب الاعتداء والمشاجرة والعصيان، وتفضي إلى العقوق وتفسد ذات البين، وتقطع الصلات.

        وليس أدل على خطـورة الشعـور بعـدم العدل بين الأخوة من قول الله تعـالى في محكم كتابه، على لسان إخوة يوسف، عليه السلام: ( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين ) (يوسف: 8). [ ص: 161 ]

        فكانت نتيجـة قناعتهم هذه أن أقدموا على عمل مشين في حق الأخوة وحق الأبوة:

        ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين ) (يوسف: 9).

        وهكذا غلى الحقد في قلوبهم، ودخل الشيطان فاختل تقديرهم للوقائع، وتضخمت في حسهم أشياء صغيرة هونت الفعلة الشنعاء المتمثلة في إزهاق روح أخ لهم من أبيهم، وتضخمت في أعينهم حكاية إيثار أبيهم له بالحب حتى توازى القتل أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله [13] .

        وحتى يتجنب الآباء والمربون تعرض الأبناء إلى آفة الحقد والحسد وحتى تكتمل شخصيتهم وتنشأ سوية في ظلال التربية الصالحة وجب عليهم عدم المحاباة، بل لا بد من المساواة والعدل بين الأبناء وإعطاء كل واحد منهم انتباها ومعاملة خاصة.. ولأجل عدم إثارة الحسد بين الإخوة يمكن تصنيف الأبناء على أساس أن كل واحد منهم متفوق في شيء ما، فواحد في المداومة على الدراسة والتفوق العلمي، وآخر في العبادة، والثالث في النظافة، وهكذا نستطيع أن نوفق بين الأبناء على حسب مواهبهم وشخصياتهم [14] .

        فعلى المربي أن يعرف كيف يوزع اهتماماته بين أطفاله، فقد تهتم الأم بالمولود الجديد ويشعر المولود الأكبر أنه خسر أمه بسبب أخيه الصغير فيحقد عليه وقد يؤذيه، وقد تتنبه لديه أحاسيس الشعور بالظلم ويعاني منها [ ص: 162 ] طويلا، ومن المعروف أن الطفل الأكبر يستأثر بالكثير من العناية، كما أن آخر الأطفال يعد عادة ابن الأسرة المدلل، أما الطفل الأوسط فإن الاهتمام به يكون أقل، ولا بد للأم والأسرة كلها أن تلحظ مثل هذا المعنى، وطالما اشتعلت نار العداوة بين الإخوة بسبب تصرف الأهل [15] .

        إن الأطفال ذو حساسية شديدة وذو ذكاء، فانحياز الوالدين أو أحدهما لطفل من أولادهما دون الآخرين أو محبة واحد منهم وكراهية الآخر، كل ذلك يدركه الطفل بوضوح حتى ولو كان في عامه الثاني وكلما كبر ازداد إدراكه لذلك. وهذا مما يسبب للطفل المحروم عوامل القلق والغيرة والحسد والتباغض بين الإخوة والأخوات، فوحدة السياسة التربوية للوالدين في معاملة الأطفال وعدلهما بين البنين والبنات من أكبر عوامل التنشئة التربوية وعوامل الطمأنينة النفسية، أما المعاملة الظالمة والمتميزة فإنها من عوامل زراعة الحقد بين الأطفال الأبرياء الناشئين [16] ؛ والرسول المربي صلى الله عليه وسلم يضرب لنا مثلا في عدالة المعاملة بين الأطفال.

        إنها زوجة الصحابي بشير بن مسعد الأنصاري ، رضي الله عنه، حين طلبت من زوجها بشير أن يخص ولدها منه، وهو النعمان بن بشير ، بمنحة خاصة له، وأرادت توثيق هذه الحصة فطلبت من زوجها أن يشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب بشير الأنصاري إلى الرسول يستشهده. ( فقال: [ ص: 163 ] أله إخوة، قال: نعم، قال: أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته، قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق ) [17] .

        وفي رواية: ( لا تشهدني على جور ) [18] ، ( إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك ) [19] .

        ومن العدل بين الأبناء عدم تفضيل الذكر على الأنثى، إذا ما رزق الوالدان بالذكر والأنثى؛ جاء الإسلام يعلمهما طريقة التعامل معهما، وذلك بالمساواة بينهما، حتى جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أسبـاب دخول الجنة؛ روى أبو داود عن ابن عباس قـال: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة ) [20] .

        وأخرج النسائي عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن فطر قال: حدثني مسلم بن صبيح قال: ( سمعت النعمان بن بشير يقول: ذهب بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده على شيء أعطانيه، فقال: ألك ولد غيره؟، قال: نعم، وصف بيده بكفه أجمع كذا: ألا سويت بينهم ) [21] ؛ مثل هذه الدقة النبوية في التعامل مع الصبي والبنت هو مما لا تعرفه جميع المجتمعات البشرية ولا تعلمه الكتب الغربية في تربية الأطفال. [ ص: 164 ]

        وهكذا يجب على المربين والآباء والأمهات أن يكونوا حذرين كل الحذر من أن يتعرض الولد لآفة من هذه الآفات النفسية وعلى رأسها الحسد، حتى تكتمل شخصيته وينشأ إنسانا سويا في ظلال التربية الصالحة.

        وبما أن الحسد له آفات نفسية وآثار اجتماعية حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه ونهى عنه، حيث قال: ( إياكم والحسـد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) [22] فما أحوج الآباء والمربين إلى هذه المبادئ التربوية في معالجة الحسد عند الأولاد، ولا شك أنهم إذا التزموها وأخذوا بتوجيهاتها نشأ الأولاد على خير ما ينشئون من الصفاء والإخلاص.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية