الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ع - تعويد الطفل على الصلاة في المسجد وربطه به:

        وذلك بأخذه إلى المسجد؛ لأن المسجد هو الصرح الذي يبني الأجيال؛ ولقد كان وما يزال هو المصدر لأجيال باعوا أنفسهم لله وساروا على منهجه واقتدوا برسولهم، لهذا عني أطفال الصحابة بالصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فهذا جابر بن سمرة يحدثنا عن طفولته وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. روى مسلم عن جابر بن سمرة قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى (يعني صلاة الظهر) ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان (أي صبيان)، فجعل يمسح خدي، أحدهم واحدا واحدا؛ قال: وأما أنا فمسح خدي، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار ) [1] . [ ص: 177 ]

        وقد سئل الإمام مالك ، رضي الله عنه، عن رجل يأتي بالصبي إلى المسجد أتستحب ذلك؟ قال: إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث فلا أرى بأسا، وإن كان صغيرا لا يقر فيه ويعبث فلا أحب ذلك .

        وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أئمة المساجد أن يخففوا الصلاة رأفة بالأطفال، الأمر الذي دل على جواز صلاة الأطفال وأخذهم إلى المسجد.

        أخرج البخاري عن عقبة بن عمرو البدري ، رضي الله عنه، قال: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة ) [2] .

        ونقول: إن المسجد الذي خرج أطفال الصحـابة والسلف الصالح قادر على أن يخرج أمثالهم إذا وجه الآباء والأمهات أطفالهم نحو المسجد ترغيبا لا تنفيرا.

        وإن ركعة واحدة يؤديها المسلمون في بيت من بيوت الله جنبا إلى جنب تغرس في نفوسهم من حقائق المساواة الإنسانية وموجبات الود والأخوة ما لا تفعله عشرات الكتب التي تدعو إلى المساواة وتتحدث عن فلسفة الإنسان المثالي، لهذا وغيره بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة بعمارة المسجد معلنا بذلك أنه الركن الأول والدعامة [ ص: 178 ] الأولى لقيام هذا المجتمع، وقد ظل المسجد على امتداد تاريخ المسلمين مؤسسة تعليمية للصغار والكبار، وأول الأمكنة التي تحقق الأهداف العملية للتربية، وكان الرجال الأوائل الذين حملوا اللواء هم أشبال المساجد [3] .

        إذن تظهر أهمية المسجد في عملية التنشئة في وظائفها التالية:

        1- حفظ كرامة الإنسان كإنسان في إيمانه بالله خالقا ومعبودا.

        2- ممارسة العبادة طلبا لرضى الله تعالى وشكرا؛ والعبادة منبه عملي ومذكر للإنسان لسموه الروحي فوق المادة؛ والعبادة نشاط دوري موقوت في صلاة وصوم وزكاة وحج وقراءة وفعل للخير؛ والعبادة مظهر لتكامل النمو الروحي السليم في تعاون الجسم والعقل والنفس والروح في أداء العبادة الإسلامية، ثم إن العبادة غذاء روحي دائم للإنسان.

        3- تكوين الضمير الحي، فالتنشئة الروحية تساعد الإنسان على تكوين الوازع والدافع لعمل الخير وتكوين المانع في ابتعاده عن الشر.

        4- رعاية القيم الخلقية والآداب السلوكية، فالتنشئة الروحية التي تمثل العبادة والمسجد تدفع للصدق والأمانة والوفاء بحفظ الوعد ورعاية الحقوق وأداء الواجبات وإغاثة الملهوف والصبر عند الشدائد؛ وذلك لأن المظهر السلوكي يمثل علاقة صادقة لقوة الإيمان وسلامة العبادة وصفاء الروح [4] . [ ص: 179 ]

        ونخلص من التربية بالعادة أنه على الأم والأب عدة أمور مهمة يجب عليهما تعويد الصغار عليها، ومن أبرزها:

        - تعويد الطفـل على النطق بالتوحيد، وغرس المعاني السامية في نفسـه، وبخاصة في الخمس السنوات الأولى، فيذكر بعض الباحثين أن الطفل يتعلم في سنواته الأولى، أكثر بكثير مما يتصوره الآباء، فإن90% من العملية التربوية تتم في سنواته الأولى، فمن المهم استغلال هذه الفترة، يقول ابن الجوزي ، رحمه الله: أقوم التقويم ما كان في الصغر، فأما إذا ترك الولد وطبعه فنشأ عليه ومرن كان صعبا .

        - أيضا تعويده النطق بالأذكار والأدعية المهمة، وغرس محبة الله في نفسه وتعظيمه وخشيته، وتعليمه أن الله يراقبه.

        - كذلك تعويده على الكلمات الطيبة مثل: أحسنت، شكرا، جزاك الله خيرا.

        - وأيضا يجب على المربي تنمية الطموح لدى الطفل منذ صغره، على الهمم العالية، بأن يغرس في نفسه بأنه سيكون عالما أو طبيبا ماهرا ومربيا فاضلا ونحو ذلك [5] . [ ص: 180 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية