الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الاطفال تربويا

        الدكتورة / حصة بنت محمد بن فالح الصغير

        المبحث الرابع

        مواقف تربوية من طفولة السلف الصالح

        إن قراءة السير والأمثلة وتعليمها الأطفـال لها الأثر الفعال في النفوس، إذ هي نماذج أكثر رسوخا وتأثيرا، وليس أدل على ذلك من كثرة إيراد القرآن والحديث لسير السلف الصالح، فينبغي للمربي أن يستمد قصص ومواقف السلف من التاريخ والتجارب السابقة، ليغرسها في أبنائه وبناته، فهو بذلك يصل إلى ما وصل إليه هؤلاء، كل ذلك بتربيته وتوجيهه، وستظل تحفز همهم وتستثير عزائهم، وفي ذلك تربية لهم وصقل لمواهبهم؛ لأنهم هم من تربوا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. ومن هذه المواقف ما رووه هم بأنفسهم:

        1- ما رواه ابن عباس ، رضي الله عنهما، يقول عن نفسه: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم ) [1] .

        2- وهذا عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما، يقول: ( كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم وكنت غلاما شابا أعزب وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار [ ص: 198 ] فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع، فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل، قال سالم : فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا ) [2] .

        3- حفظ أحمد بن حنبل القرآن في صباه وتعلم القراءة والكتابة، ويقول عن نفسه: كنت وأنا غليم أختلف إلى الكتاب، ثم اختلف إلى الديوان وأنا ابن أربع عشرة سنة .. وكانت نشأته فيها آثار النبوغ والرشد، حتى قال بعض الأدباء: وأنا أنفق على ولدي، وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظروا كيف؟ وجعل يعجب من أدبه وحسن طريقه.

        4- قال الإمام ابن الجوزي عن الشدائد التي نالته في بدء طلبه العلم وعن محامد صبره على تلك الشدائد: ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى في بغداد فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وآدابه وأحوال الصحابة وتابعيهم . [ ص: 199 ]

        وقال أيضا: لم أقنع بفن واحد، بل كنت أسمع الفقه والحديث، وأتبع الزهاد، ثـم قرأت اللغـة، ولم أترك أحـدا ممن يروي ويعظ ولا غريبا يقدم إلا وأحضره وأتخير الفضائل، ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث فينقطع نفسي من العدو لئلا أسبق، وكنت أصبح وليس لي مأكل، وأمسـي وليس لي مأكل، ما أذلني الله لمخلوق قط، ولو شرحت أحوالي لطال الشرح [3] .

        فأين أبناؤنا من هؤلاء، أين هم من هذه السير العطرة؟ من الذين اتخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لهم ونهلوا من معين تربيته وتربية أصحابه؟ فهل يمكن أن نقارن حال أبنائنا بحالهم أو نطالبهم بأن يكونوا مثلهم؟

        هذا السؤال جدير بأن نجيب عليه بقولنا:

        - حينما يتطلع المرء لمثل هذه النماذج فهذا لا يعني بالضرورة أن يرى في نفسه أنه قادر على أن يكون مثلهم أو أن يصل إلى منـزلتهم، لكنه قد يضعهم نموذجا أعلى له، يسعى قدر المستطاع إلى الاقتراب من حالهم.

        - حينما يقرأ الابن سيرهم تتعلق نفسه بهم ويحبهم ويلهج بذكرهم، وهو إن قصرت نفسه عن اللحاق بـهم فإنه جدير بوعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو موسى ، رضي الله عنه، قال: ( قيل للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: المرء مع من أحب ) . [ ص: 200 ]

        - لقد كان لأصحاب رسول الله وتابعيهم دور بارز في مجتمعهم في كافة الميادين، وبرزوا بالرغم من وجودهم مع أمثالهم من الرجال الكبار الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه هؤلاء وتلقوا منه كما تلقى منه هؤلاء.

        وهذا يعني أن الابن في أي مجتمع يمكن أن يفوق أقرانه، وأن يكون له دور، وأن يصل لمنـزلة أعلى مما يضعها لنفسه، ونحن نريد من أبنائنا أن يكونوا في مجتمعهم كما كان أبناء الصحابة في مجتمعهم [4] .

        فيا أيها المربي ويا أيها الأب ويا أيتها الأم لا بد من بذل الجهد والعمل الدءوب في إصلاح الطفل وتصحيح أخطائه على الدوام، وتعويده الخير، وهذا سبيل الأنبياء والمرسلين، فإذا ألقيت مسئولية الطفل في مراتع وخيمة يخشى أن يضاعف لك العذاب ضعفين، تعذب على تشويه تلك الجوهرة المكرمة.

        لهذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل الوالدين مسئولية تربية الأبناء مسئولية كاملة، حتى أنه يضع قاعدة أساس مفادها: أن الابن يشب على دين والديه، وهما المؤثران القويان عليه. لذلك شبه الإمام الغزالي ، رحمه الله، في رسالته «أيها الولد» التربية بعمل الفلاح، الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع لتحسين نباته، ويكمل ريعه.

        وأن هذه التربية هي حق الابن على والديه، وهي ليست هبة أو هدية، وهذا أكده النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الأبناء والآباء؛ وكما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا. [ ص: 201 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية