وإن فهذه يمين بالعتق ; لأن اليمين تعرف بالجزاء ، والجزاء عتق العبد ; لأن الجزاء ما يتعقب حرف الجزاء وهو الفاء ، والشرط أن يحلف بطلاق امرأته ، فإذا قال بعد ذلك لعبده : إن حلفت بعتقك فامرأته طالق فإن عبده يعتق ; لأن بالكلام الثاني حلف بطلاق امرأته ، يذكر الشرط ، والجزاء طلاقها فوجد به الشرط في اليمين الأول ، فلهذا يعتق عبده ، ولا تطلق امرأته ; لأن الحلف بعتق العبد كان سابقا على الحلف بطلاقها ، وما يكون سابقا على اليمين لا يكون شرطا ; لأن الحالف إنما يقصد منع نفسه عن إيجاد الشرط ، وذلك لا يتحقق فيما كان سابقا على يمينه ، ولو قال لامرأته : إن حلفت بطلاقك فعبدي حر طلقت اثنتين إن كان دخل بها ; لأنه باليمين الثانية يحنث في اليمين الأولى فتطلق واحدة ، ثم باليمين الثالثة يحنث في اليمين الثانية فتطلق أخرى ; لأنها في عدته ، وإن لم يكن دخل بها لا تطلق إلا واحدة ; لأنها بانت بالأولى لا إلى عدة ; ولأن شرط الحنث في اليمين الثانية لا يوجد باليمين [ ص: 160 ] الثالثة ; لأن الشرط هو الحلف بطلاقها ، وذلك لا يتحقق في غير الملك بدون الإضافة إلى الملك ، فلهذا لا تطلق إلا واحدة . قال لامرأته ثلاث مرات : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق
لا يعتق عبده ، وليس هذا بيمين ، وإن وجد الشرط والجزاء صورة بل هو مخير بمنزلة قوله : أمرك بيدك أو اختاري ، فقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه رضي الله تعالى عنهن مع نهيه عن اليمين بالطلاق ، والدليل عليه أنه يشترط وجود المشيئة منها في المجلس ، ولو كان يمينا لم يتوقف بالمجلس كقوله : أنت طالق إن كلمت ، وكذلك إذا قال : إذا حضت حيضة لم يعتق عبده ; لأن هذا تفسير لطلاق السنة بمنزلة قوله : أنت طالق للسنة وعلى قول ولو قال : عبده حر إن حلف بطلاق امرأته ، ثم قال لامرأته : أنت طالق إن شئت رحمه الله تعالى يعتق ; لأن هذا ليس بإيقاع لطلاق السنة بدليل أنه لو جامعها في الحيض ، ثم طهرت وقع الطلاق عليها ، ولو كان هذا كقوله للسنة لم يقع ، قلنا : هو سني من وجه فلا يحنث بالحيض وتطلق لوجود الشرط حقيقة ، وأما إذا قال لها : إذا حضت فأنت طالق ، أو إذا جاء غد فأنت طالق عتق عبده عندنا ، وعند زفر رحمه الله تعالى لا يعتق قال : لأن الحالف يكون مانعا نفسه من إيجاد الشرط ، وإنما يكون الكلام يمينا بذكر شرط يتصور المنع عنه ، فأما بذكر شرط لا يتصور المنع عنه لا يصير حالفا بطلاقها فلا يعتق عبده ، كما لو قال : أنت طالق غدا ، ولكنا نقول : الكلام يعرف بصيغته ، وقد وجد صيغة اليمين بذكر الشرط والجزاء ، ولم يغلب عليه غيره فكان يمينا بخلاف قوله : أنت طالق غدا ; لأنه ما ذكر الشرط والجزاء ، إنما أضاف الطلاق إلى وقت ، وبخلاف قوله : أنت طالق إن شئت أو إذا حضت حيضة ; لأنه غلب عليه معنى آخر كما بينا ، وبأن لم يكن في وسعه منع هذا الشرط لا يخرج من أن يكون يمينا ، كما لو جعل الشرط فعل إنسان آخر لا يقدر على منعه من ذلك . والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب . الشافعي