وإن حنث ، ومراده أو غير ذلك مما يسمى طعاما عادة ، دون ما له طعم حقيقة ، فإن كل أحد يعلم أنه لا يريد السقمونيا بهذا اللفظ ، وله طعم عرفنا أن مراده ما يسمى في العادة طعاما ، ويؤكل على سبيل التطعم ، ولو حلف ليأكلن هذا الطعام اليوم ، فأكله غيره في اليوم لم يحنث في قول حلف لا يأكل طعاما ، فأكل خبزا أو فاكهة أو غير ذلك أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وقال ومحمد رحمه الله تعالى : يحنث إذا غابت الشمس ، والأصل فيه أن اليمين إذا كانت مؤقتة بوقت ، فانعقادها موجبا للبر في آخر [ ص: 180 ] ذلك اليوم ، إلا عند أبو يوسف رحمه الله تعالى ، وجود ما حلف عليه ليس بشرط لانعقاد اليمين ، حتى إذا قال : لأشربن الماء الذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، تنعقد اليمين ، فكذلك هنا انعدام الطعام في آخر اليوم عنده ، لا يمنع انعقاد اليمين ، فإذا انعقدت ، وتحقق فوت شرط البر حنث فيها ، وعند أبي يوسف أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انعدام ما حلف عليه يمنع انعقاد اليمين ، كما في مسألة الشرب ، فلا ينعقد اليمين هنا لما انعدم الطعام في آخر الوقت ; وهذا لأن شرط حنثه ترك أكل الطعام في آخر جزء من أجزاء اليوم ، ولا يتصور ذلك إذا لم يبق الطعام ، وقد بينا أن بدون توهم البر لا ينعقد اليمين ، وإن لم يكن وقت فيه وقتا حنث ; لأن اليمين انعقدت في الحال لتوهم البر فيها لكون الطعام قائما في الحال ، ثم فات شرط البر بأكل الغير إياه ، فيحنث ( قال ) : وكذلك إن مات الحالف قبل أن يأكله ، والطعام قائم بعينه ; لأن شرط البر قد فات بموته ، وكذلك إن مضت المدة ، وهو حي ، والطعام قائم ; لأن شرط البر فعل الأكل في الوقت ، وقد تحقق فوته بمضي الوقت ، فحنث في يمينه ، وعلى هذا ومحمد لم يحنث في قول لو حلف ليقضين حق فلان غدا ، فقضاه اليوم أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ويحنث عند أبي ومحمد يوسف رحمه الله تعالى ، كما جاء الغد ; لأن عنده كما جاء الغد انعقدت اليمين ، فإن عدم المحلوف عليه ، لا يمنع انعقاد اليمين عنده .