قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية روي عن أن طاوس فقال الله تعالى : أهل الجاهلية كانوا يستحلون أشياء ويحرمون أشياء ، قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما مما تستحلون إلا أن يكون ميتة الآية وسياقة المخاطبة تدل على ما قال ؛ وذلك لأن الله قد قدم ذكر ما كانوا يحرمون من الأنعام وذمهم على تحريم ما أحله وعنفهم وأبان به عن جهلهم لأنهم حرموا بغير حجة ، ثم عطف قوله تعالى : طاوس قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما يعني تحرمونه إلا ما ذكر وإذا كان ذلك تقدير الآية لم يجز الاستدلال بها على إباحة ما خرج عن الآية .
فإن قيل : قد ذكر في أول المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة وما ذكر معهما ، وهي خارجة عن هذه الآية قيل له : في ذلك جوابان :
أحدهما : أن المنخنقة وما ذكر معها قد دخلت في الميتة ، وإنما ذكر الله تعالى تحريم الميتة في قوله : حرمت عليكم الميتة ثم فسر وجوهها والأسباب الموجبة لكونها ميتة فقد اشتمل اسم الميتة على المنخنقة ونظائرها .
والثاني : أن سورة الأنعام مكية ، وجائز أن لا يكون قد حرم في ذلك الوقت إلا ما قد ذكر في هذه الآية ، والمائدة مدنية وهي من آخر ما نزل من القرآن ، وفي هذه الآية دليل على أن ( أو ) إذا دخلت على النفي ثبت كل واحد مما دخلت عليه على حياله وأنها لا تقتضي تخييرا ؛ لأن قوله تعالى : إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير قد أوجب تحريم كل واحد من ذلك على حياله .
وقد احتج كثير من السلف في إباحة ما عدا المذكورة في هذه الآية بها ، فمنها وروى لحوم الحمر الأهلية عن سفيان بن عيينة قال : قلت عمرو بن دينار لجابر بن زيد : إنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بن عمرو الغفاري عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 186 ] ولكن أبى ذلك نهى عن لحوم الحمر الأهلية قال : قد كان يقول ذلك وقرأ : البحر يعني عبد الله بن عباس قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية وروى عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد القاسم عن : أنها كانت لا ترى بلحوم السباع والدم الذي يكون في أعلى العروق بأسا ، وقرأت هذه الآية : عائشة قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية فأما لحوم الحمر الأهلية فإن أصحابنا ومالكا والثوري ينهون عنه . والشافعي
وروي عن ما ذكرنا من إباحته ، وتابعه على ذلك قوم ، وقد وردت أخبار مستفيضة في النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية ، منها حديث ابن عباس عن الزهري الحسن وعبد الله ابني عن أبيهما أنه سمع محمد ابن الحنفية يقول علي بن أبي طالب : لابن عباس خيبر . وقد روى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء يوم عن ابن وهب يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عن مجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس خيبر عن لحوم الحمر الإنسية ، وهذا يدل على أنه لما سمع نهى يوم يروي النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم رجع عما كان يذهب إليه من الإباحة . عليا
وروى أبو حنيفة وعبد الله عن عن نافع قال : ابن عمر خيبر عن لحوم الحمر الأهلية . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
وروى عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار محمد بن علي عن : أن جابر ورواه النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار محمد بن علي عن : أن جابر وروى النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الأهلية . عن شعبة أبي إسحاق عن سمعه منه قال : البراء بن عازب . وروى النهي عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبنا حمرا يوم خيبر فطبخناها ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكفئوا القدور ابن أبي أوفى وسلمة بن الأكوع وأبو هريرة في آخرين ، في بعضها ابتداء نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها ذكر قصة وأبو ثعلبة الخشني خيبر والسبب الذي من أجله نهى عنها ، فقال قائلون : { إنما نهى عنها لأنها كانت نهبة انتهبوها } . وقال آخرون : { لأنه قيل له إن الحمر قد قلت } . وقال آخرون : { لأنها كانت جلالة } . فتأول من أباحها نهي النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه الوجوه ، ومن حظرها أبطل هذه التأويلات بأشياء :
أحدها ما رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : منهم لا يحل الحمار الأهلي المقداد بن معدي كرب وغيرهما ؛ والثاني ما رواه وأبو ثعلبة الخشني عن سفيان بن عيينة أيوب السختياني عن عن ابن سيرين قال : أنس بن مالك خيبر أصابوا حمرا فطبخوها منها ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله [ ص: 187 ] ينهاكم عنها ، فإنها نجس فاكفئوا القدور وروى لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الوهاب الثقفي أيوب بإسناد مثله ، قال : . وهذا يبطل تأويل من تأول النهي على النهبة وتأويل من تأوله على خوف فناء الحمر الأهلية بالذبح ؛ لأنه أخبر أنها نجس ، وذلك يقتضي تحريم عينها لا لسبب غيرها ويدل عليه أنه أمر بالقدور فأكفئت ، ولو كان النهي لأجل ما ذكروا لأمر بأن يطعم المساكين كما أمر بذلك في الشاة المذبوحة بغير أمر أصحابها بأن يطعم الأسرى . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى : إن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس ، قال : فأكفئت القدور وإنها لتفور
وفي حديث أنه أبي ثعلبة الخشني ، فبهذا أيضا يبطل سائر التأويلات التي ذكرناها عن مبيحها وقد روي عن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحرم عليه ، فقال : لا تأكل الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع سعيد بن جبير خيبر لأنها كانت تأكل العذرة فإن صح هذا التأويل للنهي الذي كان منه يوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فإن خبر أبي ثعلبة وغيره في سؤالهم عنها في غير يوم خيبر يوجب إيهام تحريمها لا لعلة غير أعيانها وقد روي في حديث يروى عن عبد الرحمن بن مغفل عن رجل من مزينة فقال بعضهم : غالب بن الأبجر ، وقال بعضهم : الحر بن غالب أنه قال : ؛ فاحتج من أباح الحمر الأهلية بهذا الخبر وهذا الخبر يدل على النهي عنها ؛ لأنه قال : يا رسول الله إنه لم يبق من مالي شيء أستطيع أن أطعم فيه أهلي غير حمرات لي ، قال : فأطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم جوال القرية والحمر الأهلية كلها جوال القرى ، والإباحة عندنا في هذا الحديث إنما انصرفت إلى الحمر الوحشية . كرهت لكم جوال القرية
وقد اختلف في فقال أصحابنا الحمار الوحشي إذا دجن والحسن بن صالح في الحمار الوحشي إذا دجن وألف : { إنه جائز أكله } ، وقال والشافعي عن ابن القاسم : { إذا دجن وصار يعمل عليه كما يعمل على الأهلي فإنه لا يؤكل } . وقد اتفقوا على أن الوحش الأهلي لا يخرجه عن حكم جنسه في تحريم الأكل كذلك ما أنس من الوحش . مالك
قال : وقد اختلف في أبو بكر ، فقال ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر : { لا يحل أكل ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير } . وقال ومحمد : { لا يؤكل سباع الوحش ولا الهر الوحشي ولا الأهلي ولا الثعلب ولا الضبع ولا شيء من السباع ، ولا بأس بأكل سباع الطير الرخم والعقبان والنسور وغيرها ما أكل الجيف منها وما لا يأكل } . وقال [ ص: 188 ] مالك : { الطير كله حلال إلا أنهم يكرهون الرخم } . الأوزاعي
وقال : { لا بأس بأكل الهر وأكره الضبع } . وقال الليث : { لا يؤكل ذو الناب من السباع التي تعدو على الناس الأسد والنمر والذئب ، ويؤكل الضبع والثعلب ، ولا يؤكل النسر والبازي ونحوه لأنها تعدو على طيور الناس } . وحدثنا الشافعي قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع إبراهيم بن عبد الله قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا قال : حدثنا حماد عمران بن جبير أن سئل عن الغراب قال : دجاجة سمينة ، وسئل عن الضبع فقال : نعجة سمينة . عكرمة
قال : حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود عن القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني : أبي ثعلبة الخشني . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع
وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد عن أبو عوانة أبي بشر عن عن ميمون بن مهران قال : ابن عباس ، ورواه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير علي بن أبي طالب والمقدام بن معدي كرب وغيرهما . وأبو هريرة
فهذه آثار مستفيضة في تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير ، والثعلب والهر والنسر والرخم داخلة في ذلك ، فلا معنى لاستثناء شيء منها إلا بدليل يوجب تخصيصه ، وليس في قبولها ما يوجب نسخ قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه لأنه إنما فيه إخبار بأنه لم يكن المحرم غير المذكور وأن ما عداه كان باقيا على أصل الإباحة ، وكذلك الأخبار الواردة في لحوم الحمر الأهلية هذا حكمها ، ومع ذلك فإن هذه الآية خاصة باتفاق أهل العلم على تحريم أشياء كثيرة غير مذكورة في الآية فجاز قبول الأخبار الآحاد في تخصيصها وكره أصحابنا الغراب الأبقع لأنه يأكل الجيف ، ولم يكرهوا الغراب الزرعي لما روى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عائشة وذكر أحدها الغراب الأبقع ، فخص الأبقع بذلك ؛ لأنه يأكل الجيف ، فصار أصلا في كراهة أشباهه مما يأكل الجيف وقوله عليه السلام خمس فواسق يقتلهن المحرم في الحل والحرم يدل على تحريم أكل هذه الخمس وأنها لا تكون إلا مقتولة غير مذكاة ، ولو كانت مما يؤكل لأمر بذبحها وذكاتها لئلا تحرم بالقتل . خمس يقتلهن المحرم
فإن قيل بما حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا محمد بن حاتم قال : حدثنا يحيى بن مسلم قال : حدثني إسماعيل [ ص: 189 ] بن أمية عن قال أبي الزبير : هل يؤكل الضبع ؟ قال : نعم ، قلت : أصيد هي ؟ قال : نعم ، قلت : أسمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم جابرا . قيل له : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير قاض على ذلك لاتفاق الفقهاء على استعماله واختلافهم في استعمال ذلك . سألت
واختلف في ، فكرهه أصحابنا ، وقال أكل الضب مالك : { لا بأس به } . والشافعي
والدليل على صحة قولنا ما روى عن الأعمش زيد بن وهب الجهني عن عبد الرحمن بن حسنة قال : بني إسرائيل مسخت دواب الأرض وإني أخشى أن تكون هذه فأكفئوها وهذا يقتضي حظره ؛ لأنه لو كان مباح الأكل لما أمر بإكفاء القدور ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وحدثنا نزلنا أرضا كثيرة الضباب ، فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها ، فإن القدور لتغلي بها ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا ؟ فقلنا ضباب أصبناها ، فقال : إن أمة من محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود محمد بن عون الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم قال : حدثنا ابن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل : وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب عن أبو حنيفة عن حماد إبراهيم أنه أهدي لها ضب ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن أكله فنهاها عنه ، فجاء سائل فقامت لتناوله إياه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتطعمينه ما لا تأكلين . عائشة فهذه الأخبار توجب النهي عن أكل الضب وقد روى عن أن ابن عباس ولو كان حراما ما أكل على مائدته ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ترك أكله تقذرا . النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل من الضب وأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي بعض الأخبار أنه قال : ، وأن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه أكله بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهه . وحدثنا خالد بن الوليد قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا بشر بن موسى عمر بن سهل قال : حدثنا إسحاق بن الربيع عن قال : قال الحسن : إن هذه الضباب طعام عامة هذه الرعاء وإن الله ليمنع غير واحد ولو كان عندي منها شيء لأكلته ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه ولكنه قذره . عمر
وحدثنا قال حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا بشر بن موسى عمر بن سهل قال : حدثنا بحر عن أبي هارون عن قال : { إن كان أحدنا لتهدى إليه الضبة المكنونة أحب إليه من الدجاجة السمينة } فاحتج مبيحوه بهذه الأخبار ، وفيها دلالة على حظره ؛ لأن فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه تقذرا وأنه قذره ، وما قذره النبي صلى الله عليه وسلم فهو نجس ولا يكون نجسا إلا وهو [ ص: 190 ] محرم الأكل . أبي سعيد الخدري
ولو ثبتت الإباحة بهذه الأخبار لعارضتها أخبار ومتى ورد الخبران في شيء وأحدهما مبيح والآخر حاظر فخبر الحظر أولى ؛ وذلك لأن الحظر وارد لا محالة بعد الإباحة ؛ لأن الأصل كان الإباحة والحظر طارئ عليها ولم يثبت ورود الإباحة على الحظر فحكم الحظر ثابت لا محالة .
واختلف في هوام الأرض ، فكره أصحابنا اليربوع والقنفذ والفأر والعقارب وجميع هوام الأرض . وقال أكل هوام الأرض : لا بأس بأكل الحية إذا ذكيت ، وهو قول ابن أبي ليلى مالك إلا أنه لم يشترط منه الذكاة وقال والأوزاعي : لا بأس بأكل القنفذ وفراخ النحل ودود الجبن والتمر ونحوه . وقال الليث عن ابن القاسم : { لا بأس بأكل الضفدع } ، قال مالك : وقياس قول ابن القاسم أنه لا بأس بأكل خشاش الأرض وعقاربها ودودها ؛ لأنه قال : موته في الماء لا يفسده وقال مالك : { كل ما كانت العرب تستقذره فهو من الخبائث ، كالذئب والأسد والغراب والحية والحدأة والعقرب والفأرة لأنها تقصد بالأذى فهي محرمة من الخبائث ، وكانت تأكل الضبع والثعلب لأنهما لا يعدوان على الناس بأنيابهما فهما حلال } . قال الشافعي : قال الله تعالى : أبو بكر ويحرم عليهم الخبائث قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود إبراهيم بن خالد أبو ثور قال : حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن نميلة عن أبيه قال : كنت عند فسئل عن ابن عمر ، فتلا : أكل القنفذ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية ، فقال شيخ عنده : سمعت يقول : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبا هريرة فقال خبيثة من الخبائث : إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال فسماه النبي صلى الله عليه وسلم خبيثة من الخبائث فشمله حكم التحريم بقوله تعالى : ابن عمر ويحرم عليهم الخبائث والقنفذ من حشرات الأرض ، فكل ما كان من حشراتها فهو محرم قياسا على القنفذ .
وروى قال : أخبرني عبد الله بن وهب عن ابن أبي ذئب سعيد بن خالد عن عن سعيد بن المسيب عبد الرحمن قال : ، وهذا يدل على تحريمه ؛ لأنه نهاه أن يقتله فيجعله في الدواء ، ولو جاز الانتفاع به لما كان منهيا عن قتله للانتفاع به . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار مستفيضة رواها ذكر طبيب الدواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الضفدع يكون في الدواء ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد وغيرهم وعائشة وفي بعض الأخبار : { والحية } ، ففي أمره بقتلهن [ ص: 191 ] دلالة على تحريم أكلهن ؛ لأنها لو كانت مما تؤكل لأمر بالتوصل إلى ذكاتها فيما تتأتى فيه الذكاة منها ، فلما أمر بقتلها والقتل إنما يكون لا على وجه الذكاة ثبت أنها غير مأكولة ، ولما ثبت ذلك في الغراب والحدأة كان سائر ما يأكل الجيف مثلها ، ودل على أن ما كان من حشرات الأرض فهو محرم كالعقرب والحية ، وكذلك اليربوع لأنه جنس من الفأر . وأما قول أنه قال : يقتل المحرم في الحل والحرم الحدأة والغراب والفأرة والعقرب في اعتباره ما كانت العرب تستقذره وأن ما كان كذلك فهو من الخبائث ، فلا معنى له من وجوه : الشافعي
أحدها : أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير قاض بتحريم جميعه ، وغير جائز أن يزيد فيه ما ليس منه ولا يخرج منه ما قد تناوله العموم ، ولم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره وإنما جعل كونه ذا ناب من السباع وذا مخلب من الطير علما للتحريم ، فلا يجوز الاعتراض عليه بما لم تثبت به الدلالة . ومن جهة أخرى أن خطاب الله تعالى للناس بتحريم الخبائث عليهم لم يختص الشافعي بالعرب دون العجم ، بل الناس كلهم من كان منهم من أهل التكليف داخلون في الخطاب ، فاعتبار ما يستقذره العرب دون غيرهم قول لا دليل عليه خارج عن مقتضى الآية . ومع ذلك فليس يخلو من أن يعتبر ما كانت العرب يستقذره جميعهم أو بعضهم ، فإن كان اعتبر الجميع فإن جميع العرب لم يكن يستقذر الحيات والعقارب ولا الأسد والذئاب والفأر وسائر ما ذكر ، بل عامة الأعراب تستطيب أكل هذه الأشياء ، فلا يجوز أن يكون المراد ما كان جميع العرب يستقذرونه . وإن أراد ما كان بعض العرب يستقذره فهو فاسد من وجهين :
أحدهما : أن الخطاب إذا كان لجميع العرب فكيف يجوز اعتبار بعضهم عن بعض ؟ والثاني : أنه لما صار البعض المستقذر كذلك كان أولى بالاعتبار من البعض الذي يستطيبه . فهذا قول منتقض من جميع وجوهه . وزعم أنه أباح الضبع والثعلب ؛ لأن العرب كانت تأكله ، وقد كانت العرب تأكل الغراب والحدأة والأسد لم يكن منهم من لم يمتنع من أكل ذلك . وأما اعتباره ما يعدو على الناس ، فإن أراد به يعدو على الناس في سائر الأحوال فإن ذلك لا يوجد في الحدأة والحية والغراب وقد حرمها ، وإن أراد به العدو عليهم في حال إذا لم يكن جائعا والجمل الهائج قد يعدو على الإنسان وكذلك الثور في بعض الأحوال ، ولم يعتبر ذلك هو ولا غيره في هذه الأشياء في تحريم الأكل وإباحته ، والكلب والسنور لا يعدوان على الناس وهما محرمان .
وقد اختلف في ، [ ص: 192 ] فكرهها أصحابنا لحوم الإبل الجلالة إذا لم يكن يأكل غير العذرة . وقال والشافعي مالك : { لا بأس بلحوم الجلالة كالدجاج } ؛ حدثنا والليث محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة عبدة عن عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : ابن عمر . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها
وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود ابن المثنى قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا هشام عن عن قتادة عن عكرمة : أن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة . : فكل من خالف في هذه المسائل التي ذكرنا من ابتدائنا بأحكام قوله تعالى : أبو بكر قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه وأباح أكل ما ذهب أصحابنا فيه إلى حظره ، فإنهم يحتجون فيه بقوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية . وقد بينا أن ذلك خرج على سبب فيما كان يحرمه أهل الجاهلية مما حكاه الله عنهم قبل هذه الآية مما كانوا يحرمونه من الأنعام ، ولو لم يكن نزوله على السبب الذي ذكرنا وكان خبرا مبتدأ لم يمتنع بذلك قبول أخبار الآحاد في تحريم أشياء لم تنتظمها الآية ولا استعمال القياس في حظر كثير منه ؛ لأن أكثر ما فيه الإخبار بأنه لم يكن المحرم من طريق الشرع إلا المذكور في الآية ، وقد علمنا أن هذه الأشياء قد كانت مباحة قبل ورود السمع ، وقد كان قبول أخبار الآحاد جائزا واستعمال القياس سائغا في تحريم ما هذا وصفه ، وكذلك إخبار الله بأنه لم يحرم بالشرع إلا المذكور في الآية غير مانع تحريم غيره من طريق خبر الواحد والقياس .