الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : منها أربعة حرم وهي التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، ، والعرب تقول : ثلاثة سرد وواحد فرد ، وإنما سماها حرما لمعنيين :

أحدهما : تحريم القتال فيها ، وقد كان أهل الجاهلية أيضا يعتقدون تحريم القتال فيها ، وقال الله تعالى : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير

والثاني : تعظيم انتهاك المحارم فيها بأشد من تعظيمه في غيرها ، وتعظيم الطاعات فيها أيضا . وإنما فعل الله تعالى ذلك لما فيه من المصلحة في ترك الظلم فيها لعظم منزلتها في حكم الله والمبادرة إلى الطاعات من الاعتماد والصلاة والصوم وغيرها ، كما فرض صلاة الجمعة في يوم بعينه ، وصوم رمضان في وقت معين ، وجعل بعض الأماكن في حكم الطاعات ، ومواقعة المحظورات أعظم من حرمة غيره نحو بيت الله الحرام ومسجد المدينة ، فيكون ترك الظلم والقبائح في هذه الشهور والمواضع داعيا إلى تركها في غيره ، ويصير فعل الطاعات والمواظبة عليها في هذه الشهور وهذه المواضع الشريفة داعيا إلى فعل أمثالها في غيرها للمرور والاعتياد ، وما يصحب الله العبد من توفيقه عند إقباله إلى طاعته ، وما يلحق العبد من الخذلان عند إكبابه على المعاصي واشتهاره وأنسه بها ، فكان في تعظيم بعض الشهور وبعض الأماكن أعظم المصالح في الاستدعاء إلى الطاعات وترك القبائح ، ولأن الأشياء تجر إلى أشكالها ، وتباعد من أضدادها ، فالاستكثار من الطاعة يدعو إلى أمثالها ، والاستكثار من المعصية يدعو إلى أمثالها . قوله تعالى : فلا تظلموا فيهن أنفسكم الضمير في قوله : فيهن عند ابن عباس راجع إلى الشهور . وقال قتادة : هو عائد إلى الأربعة الحرم

التالي السابق


الخدمات العلمية