الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز ) [ ص: 413 ] لأنه غير مستحق عليها ( وإن ) ( انقضت عدتها فاستأجرها ) يعني لإرضاع ولدها ( جاز ) لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية ( فإن قال الأب لا أستأجرها وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية أو رضيت بغير أجر ) كانت هي أحق لأنها أشفق فكان نظرا للصبي في الدفع إليها ( وإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها ) دفعا للضرر عنه وإليه الإشارة بقوله تعالى { لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده } أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية .

التالي السابق


( قوله وإن انقضت عدتها فاستأجرها ) اعلم أن حاصل كلامهم أن الإرضاع واجب عليها مقيد بعدم الضرر بقوله تعالى { لا تضار والدة بولدها } والضرر يتحقق عند العجز عن إرضاعه إذا ألزمت والعجز مبطن فأقيم امتناعها عنه مقام حقيقته لأن امتناعها عن الإرضاع مع داعية حنو الوالدة ظاهر في عجزها عنه ، فلذا لم تجبر عليه إذا امتنعت ، فإذا أقدمت عليه بالأجر وهي منكوحة أو معتدة عن رجعي أو مطلقا على ما هو الأوجه ظهر عدم عجزها فظهر الوجوب عليها ولا أجر يستحق في مقابلة فعل الواجب . ولا يخفى أن هذا المعنى بعينه ثابت فيما إذا استأجرها لإرضاع ولدها منه بعد انقضاء العدة ، ومقتضاه أن لا يجوز بعد العدة أيضا كما قبلها ، وهذا لأن الوالدات في قوله تعالى { والوالدات يرضعن } أعم من البائنات فكان الإيجاب عاما على المنكوحات والرجعيات والبوائن قبل العدة وفيها وبعدها ، والمانع من أخذ الأجرة [ ص: 414 ] والاستئجار هو الوجوب وهو عام فيعم المنع الكل إذا ظهرت قدرتهن وذلك بالإقدام على الإرضاع بأجر . وغاية ما يقال : إن الإرضاع من نفقته وهي على الأب لا الأم . ويدفع بأن هذه النفقة أوجبها الذي له ولاية الإيجاب على الأم بعد أن أوجب رزقه لها بإدرار الثدي فلم يبق منها سوى الفعل الاختياري فأوجب عليها إلقامه ثديها ، وثبوت هذا الإيجاب بالنص المذكور : أعني { يرضعن أولادهن } ، والحق أنه أوجب عليها مقيدا بإيجاب رزقها عليه بقوله { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } ففي حال الزوجية والعدة وهو قائم برزقها وفيما بعد العدة لا يقوم بشيء فتقوم الأجرة مقامه .




الخدمات العلمية