الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلو أكره بقتل أو ضرب شديد ) متلف لا بسوط أو سوطين [ ص: 130 ] إلا على المذاكير والعين بزازية ( أو حبس ) أو قيد مديدين بخلاف حبس يوم أو قيده أو ضرب غير شديد إلا لذي جاه درر ( حتى باع أو اشترى أو أقر أو آجر فسخ ) ما عقد ولا يبطل حق الفسخ بموت أحدهما ولا بموت المشتري ، ولا بالزيادة المنفصلة ، وتضمن بالتعدي وسيجيء أنه يسترد وإن تداولته الأيدي ( أو أمضى ) لأن الإكراه الملجئ ، وغير الملجئ يعدمان الرضا ، والرضا شرط لصحة هذه العقود وكذا لصحة الإقرار فلذا صار له حق الفسخ والإمضاء ثم إن تلك العقود نافذة عندنا ( و ) حينئذ ( يملكه المشتري إن قبض فيصح إعتاقه ) [ ص: 131 ] وكذا كل تصرف لا يمكن نقضه ( ولزمه قيمته ) وقت الإعتاق ولو معسرا ، زاهدي لإتلافه بعقد فاسد .

التالي السابق


( قوله : متلف ) فيه أن التصرفات الآتية [ ص: 130 ] من البيع ونحوه يتحقق فيها الإكراه ولو بغير ملجئ كما مر ويجيء ، لتفويته الرضا ، والمتلف من الملجئ ، ولا يتوقف فوات الرضا عليه ولذا قال فيما يجيء بخلاف حبس يوم إلخ لأنه لا يعدم الرضا . ( قوله : لا على المذاكير والعين ) لأنه يخشى منه التلف . ( قوله : أو حبس ) أي حبس نفسه قال الزيلعي : والإكراه بحبس الوالدين أو الأولاد لا يعد إكراها لأنه ليس بملجئ ولا يعدم الرضا بخلاف حبس نفسه ا هـ لكن في الشرنبلالية عن المبسوط : أنه قياس وفي الاستحسان حبس الأب إكراه وذكر الطوري أن المعتمد أنه لا فرق بين حبس الوالدين والولد في وجه الاستحسان زاد القهستاني : أو غيرهم : من ذوي رحم محرم وعزاه للمبسوط . ( قوله : بخلاف حبس يوم أو قيده ) فيه إشارة إلى أن الحبس المديد ما زاد على يوم وكذا يستفاد من العيني والزيلعي ط . وفي الخانية : أما الضرب بسوط واحد أو حبس يوم أو قيد يوم لا يكون إكراها في الإقرار بألف ا هـ ، وظاهر أنه يكون إكراها في المال القليل . ( قوله : إلا لذي جاه ) لأن ضرره أشد من ضرر الضرب الشديد ، فيفوت به الرضا زيلعي . وفي مختارات النوازل أو لذي ضعف . ( قوله : فسخ ما عقد ) لا يشمل الإقرار فهو مجاز أو اكتفاء كما نبه عليهالقهستاني . مطلب : بيع المكره فاسد وزوائده مضمونة بالتعدي .

( قوله : ولا يبطل إلى قوله أو أمضى ) مأخوذ من حاشية شيخه على المنح وقال بعد قوله : ويضمن بالتعدي تأمل . فيشير إلى أنه ذكره تفقها وهو تفقه حسن ، لأنهم صرحوا بأن بيع المكره فاسد إلا في أربع صور تأتي متنا وقال في جامع الفصولين : زوائد المبيع فاسدا - لو منفصلة متولدة - تضمن بالتعدي لا بدونه ، ولو هلك المبيع فللبائع أخذ الزوائد وقيمة المبيع ، ولو منفصلة غير متولدة له أخذ المبيع مع هذه الزوائد ، ولا تطيب له ولو هلكت في يد المشتري لم يضمن ، ولو أهلكها ضمن عندهما لا عنده ، ولو هلك المبيع لا الزوائد فهي للمشتري ، بخلاف المتولدة ويضمن قيمة المبيع فقط ا هـ . ( قوله : بموت أحدهما ) أي المكره والمكره فيقوم ورثة كل مقامه كورثة المشتري . ( قوله : ولا بالزيادة المنفصلة ) سواء كانت متولدة كالثمرة أو لا كالأرش ، وكذا المتصلة المتولدة كالسمن وأما غير المتولدة كصبغ وخياطة ولت سويق فتمنع الاسترداد إلا برضا المشتري كذا ذكروا في البيع الفاسد . وفي البحر : متى فعل المشتري في المبيع يعني فاسدا فعلا ينقطع به حق المالك في الغصب ينقطع به حق المالك في الاسترداد كما إذا كان حنطة فطحنها . ( قوله : وسيجيء ) أي قريبا . ( قوله : يعدمان الرضا ) قال ابن الكمال في هامش شرحه ، أخطأ صدر الشريعة في تخصيصه إعدام الرضا بغير الملجئ ا هـ . ( قوله : فلذا صار له حق الفسخ والإمضاء ) أي لفقد شرط الصحة وهو الرضا فيتخير ، فإن اعتبار هذا الشرط ليس لحق الغير ، بل لحقه ولهذا خالف سائر البيوع الفاسدة فإن الفسخ فيها واجب عند فقد شرط الصحة ، لأن الفساد فيها لحق الشرع . وقد صرحوا بأن بيع المكره يشبه الموقوف ويشبه الفاسد فافهم . ( قوله : ثم إن تلك العقود نافذة عندنا ) أي عند أئمتنا الثلاثة وليست بموقوفة . ( قوله : وحينئذ ) أي حين إذ قلنا إنها نافذة غير موقوفة تفيد الملك بالقبض : أي يثبت بالبيع أو بالشراء مكرها الملك للمشتري لكونه فاسدا كسائر البياعات الفاسدة ، وقال زفر : لا يثبت به الملك لأنه بيع موقوف [ ص: 131 ] وليس بفاسد كما لو باع بشرط الخيار وسلمه زيلعي .

قال ابن الكمال : فمن قال إن الإبراء يمنع النفاذ فقد ضل عن سبيل السداد وكتب في هامش هذا من المواضع التي أخطأ فيها صدر الشريعة وكأنه غافل عن أن النافذ يقابل الموقوف فما لا يكون نافذا يكون موقوفا فينطبق ما ذكره على قول زفر ا هـ وسنذكر جوابه قريبا . ( قوله : وكذا كل تصرف لا يمكن نقضه ) كالتدبير والاستيلاد والطلاق ، فلا يصح بيعه وهبته وتصدقه ونحوها مما يمكن نقضه قهستاني .




الخدمات العلمية