الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يسعر حاكم ) لقوله عليه الصلاة والسلام " { لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض الباسط [ ص: 400 ] الرازق } ( إلا إذا تعدى الأرباب عن القيمة تعديا فاحشا فيسعر بمشورة أهل الرأي ) وقال مالك : على الوالي التسعير عام الغلاء وفي الاختيار ثم إذا سعر وخاف البائع ضرب الإمام لو نقص لا يحل للمشتري وحيلته أن يقول له : بعني بما تحب ولو اصطلحوا على سعر الخبز واللحم ووزن ناقصا رجع المشتري بالنقصان في الخبز لا اللحم لشهرة سعره عادة .

قلت : وأفاد أن التسعير في القوتين لا غير وبه صرح العتابي وغيره ، لكنه إذا تعدى أرباب غير القوتين وظلموا على العادة فيسعر عليهم الحاكم بناء على ما قال أبو يوسف : ينبغي أن يجوز ذكره القهستاني فإن أبا يوسف يعتبر حقيقة الضرر كما تقرر فتدبر .

التالي السابق


( قوله ولا يسعر حاكم ) أي يكره ذلك كما في الملتقى وغيره ( قوله { لا تسعروا } ) قال شيخ مشايخنا العلامة إسماعيل الجراحي في الأحاديث [ ص: 400 ] المشتهرة : قال النجم هذا اللفظ لم يرد لكن رواه أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه في سننه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال { قال الناس : يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال : إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال } " وإسناده على شرط مسلم وصححه ابن حبان والترمذي ا هـ ( قوله الرازق ) كذا في أغلب النسخ وفي نسخة : الرزاق على صيغة فعال ، وهو الموافق لما قدمناه ( قوله تعديا فاحشا ) بينه الزيلعي وغيره بالبيع بضعف القيمة ط ( قوله فيسعر إلخ ) أي لا بأس بالتسعير حينئذ كما في الهداية ( قوله على الوالي التسعير ) أي يجب عليه ذلك كما في غاية البيان وأيضا لم يشترط التعدي الفاحش كما ذكره ابن الكمال وبه يظهر الفرق بين المذهبين ( قوله لو نقص ) أي لو نقص الوزن عما سعره الإمام بأن سعر الرطل بدرهم مثلا فجاء المشتري وأعطاه درهما وقال بعني به تأمل ( قوله لا يحل للمشتري ) أي لا يحل له الشراء بما سعره الإمام ، لأن البائع في معنى المكره كما ذكره الزيلعي .

أقول : وفيه تأمل لأنه مثل ما قالوا فيمن صادره السلطان بمال ، ولم يعين بيع ماله فصار يبيع أملاكه بنفسه ينفذ بيعه لأنه غير مكروه على البيع وهنا كذلك ، لأن له أن لا يبيع أصلا ، ولذا قال في الهداية ومن باع منهم بما قدره الإمام صح ، لأنه غير مكره على البيع ا هـ لأن الإمام لم يأمر بالبيع ، وإنما أمره أن لا يزيد الثمن على كذا وفرق ما بينهما فليتأمل ( قوله بما تجب ) فحينئذ بأي شيء باعه يحل زيلعي . وظاهره أنه لو باعه بأكثر يحل وينفذ البيع ولا ينافي ذلك ما ذكره الزيلعي وغيره من أنه لو تعدى رجل وباع بأكثر أجازه القاضي ، لأن المراد أن القاضي يمضيه ولا يفسخه ، ولذا قال القهستاني : جاز وأمضاه القاضي ، خلافا لما فهمه أبو السعود من أنه لا ينفذ ما لم يجزه القاضي ( قوله رجع المشتري بالنقصان في الخبز لا اللحم ) جعل الزيلعي وغيره ذلك فيما إذا كان المشتري من غير أهل البلد ، وعلله بأن سعر الخبز يظهر عادة في البلدان وسعر اللحم لا يظهر إلا نادرا ا هـ أي فلا يظهر في حق الغريب كما في الخانية فالبلدي يرجع فيهما ، والمراد الرجوع في حصة النقصان من الثمن . وفي بيوع الخانية : رجل اشترى من القصاب كل يوم لحما بدرهم ، والقصاب يقطع ويزن والمشتري يظن أنه من ، لأن اللحم يباع في البلد منا بدرهم ، فوزنه المشتري يوما فوجده أنقص وصدقه القصاب قالوا : إن كان المشتري من أهل البلد يرجع بحصة النقصان من الثمن لا من اللحم لأن البائع أخذ حصة النقصان من الثمن بغير عوض ، وإن لم يكن من أهل البلد ، وأنكر القصاب أنه دفع على أنه من لا يرجع بشيء لأن سعر البلد لا يظهر في حق الغرباء ا هـ .

( قوله وأفاد أن التسعير في القوتين ) أي قوت البشر وقوت البهائم ، لأنه ذكر التسعير في بحث الاحتكار تأمل ( قوله وظلموا على العامة ) ضمنه معنى تعدى فعداه بعلى ا هـ ح ( قوله فيسعر عليهم الحاكم ) الأولى فسعر بلفظ الماضي عطفا على قوله تعدى لأن جواب إذا قوله ينبغي أن يجوز ( قوله بناء على ما قال أبو يوسف ) [ ص: 401 ] أي من أن كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار ، ولو ذهبا أو فضة أو ثوبا قال ط : وفيه أن هذا في الاحتكار لا في التسعير ا هـ .

قلت : نعم ولكنه يؤخذ منه قياسا أو استنباطا بطريق المفهوم ولذا قال بناء على ما قال أبو يوسف ، ولم يجعله قوله تأمله على أنه تقدم أن الإمام يرى الحجر إذ عم الضرر كما في المفتي الماجن والمكاري المفلس والطبيب الجاهل ، وهذه قضية عامة فتدخل مسألتنا فيها لأن التسعير حجر معنى ، لأنه منع عن البيع بزيادة فاحشة ، وعليه فلا يكون مبنيا على قول أبي يوسف فقط كذا ظهر لي فتأمل .




الخدمات العلمية